آراء وتحليلات

أسطورة أكتوبر

دكتور / السيد مرسى الصعيدى

جلستُ أفكّر: ماذا يمكن أن أكتب عن حرب أكتوبر المجيد، وأيامٍه ال ةٍ التي لا تُنسى في ذاكرة الوطن؟ أهو حديث عن نصرٍ عسكري عظيم هزّ العالم، أم عن إرادةٍ مصريةٍ كسرت المستحيل؟! وكلما استعدتُ صور الجنود على الضفة، وصرخة “الله أكبر” التي دوّت في السماء، شعرتُ أن الكلمات تتراجع خجلاً أمام عظمة هذا الحدث، لم يكن أكتوبر مجرد معركة، بل كان ميلادًا جديدًا للكرامة والعزيمة والايمان الذي يصنع المستحيل في تاريخ الحروب، ويُسجَّل الخلود لأبطال تجاوزوا حدود الممكن، وصنعوا بدمائهم ملاحم لا تنطفئ أبدًا، وهنا بزغ نجم النجوم، سيد زكريا خليل، ابن الفيوم، كان جنديًا بسيطًا في موقعه، عظيمًا في عزيمته، جسورًا في مواجهته، مؤمنًا بأن الأرض لا تُسترد إلا بالتضحية والدم، قاتل حتى الرمق الأخير، وظل شامخًا كالهرم، لا ينحني إلا لربه، وتحوّل إلى أيقونة للفداء بعدما كتب بدمائه واحدة من أروع صفحات الشرف فى تاريخ العسكرية المصرية، وعلى الجانب الاخرالإسرائيليون الذين استعانوا بضباط من أصول أوروبية، بينهم ألمان، ظنوا أن التدريب العالي والسلاح المتطور سيحسم لهم المعركة. لكنهم لم يدركوا أن هناك رجالاً، لا يعرفون الاستسلام ولا يهابون الموت، كان سيد زكريا خليل أحد الأساطير، مقاتل صغير الجسد عظيم الروح، آمن بأن الأرض لا يحررها إلا من ارتوت بدمه الطاهر، وفى إحدى المواجهات الدامية على تبة الشجرة بسيناء، واجه سيد زكريا وحدة إسرائيلية كاملة مدعومة بجندي ألماني قاتل إلى جانبهم. لكن المعادلة تغيرت، إذ تحوّل الجندي المصرى إلى أسد مفترس، يقاتل بمدفعه ورصاصاته القليلة، ثم بسلاحه الأبيض حين نفدت ذخيرته، ليسقط أكثر من 22 جندياً إسرائيلياً واحدًا تلو الآخر، حتى اعترف العدو بأنهم واجهوا بطلاً يندر أن يتكرر، والأعجب أن الاعتراف ببطولته لم يأت من مصر وحدها، بل من العدو نفسه.

وأخيرا …. فى واقعة نادرة ومؤثرة تحمل الكثير من الدلالات الإنسانية والوطنية، شهدت العاصمة الألمانية برلين حدثاً استثنائياً حينما تقدّم جندى إسرائيلي من أصول ألمانية بطلب رسمى لمقابلة السفير المصرى ، والذى كان شاهدًا على المعركة التي سطّر فيها سيد زكريا أروع البطولات ، وقد غلبته مشاعر الاحترام والإجلال لهذا البطل ، وأخرج من جيبه سلسلة مفاتيح وسلسلة معدنية وخطابًا، وقال:”هذه هي أمانة ، واجب عليّ أن أعيدها إلى وطنه، مصر التي أنجبت مثل هذه النوعية الفريدة من المقاتلين الشجعان، فهذه  الأسطورة ليست مجرد واقعة تاريخية، بل رسالة للعالم كله، أن مصر تنجب أبطالًا يفرضون احترامهم حتى على العدو ، وأن حرب أكتوبر لم تكن فقط استعادة للأرض، بل كانت أيضًا استعادة لكرامة أمة بأكملها.

الى اللقاء: دكتور / السيد مرسى الصعيدى