
ثقافة ساندوتش الفول.. بقلم / عادل رستم
قد يبدو هذا المقال غريبًا بعض الشيء لكننا نؤمن أن التراث الإنساني لا يُقاس فقط بما تركته الحضارات من آثار وفنون بل أيضًا بما تحمله العادات اليومية من دلالات حتى في أبسط تفاصيلها… كتناول ساندوتش الفول مثلا
فوجبة الفول ليست مجرد طعام يسد الجوع بل رمز شعبي يجمع الناس على مائدة واحدة ويكشف ملامح عميقة من الشخصية المصرية ويمتد أثرها إلى البعد الاجتماعي بل وأحيانًا السياسي أيضًا. في “ساندوتش الفول” تتجلى فلسفة المصري البسيط في الحياة فلسفة توازن بين الرضا والطموح وبين القناعة والمقاومة.
هو طعام الفقراء لكنه أيضًا محبوب الأغنياء في صباحات السفر والعمل.
يقف الجميع أمام عربة الفول دون تمايز حيث تختفي الفوارق الطبقية خلف رغيف خبز ساخن وطبق فول مشبع وكأن المجتمع في تلك اللحظة يستعيد توازنه الإنساني
وأتذكر عند التحاقي بالعمل كمذيع أن بجوار مبنى ماسبيرو كان هناك عربة صغيرة يفوح منها عبير الزيت الحار والطعمية السخنه كل صباح
كنا نجتمع حولها في لحظة ونسميها “أصطباحة” تجمعنا قبل أن يبدأ كلٌّ منا يومه المذيع والموظف والعامل والمخرج والمدير.
وتتداخل الأصوات والضحكات وتدور بيننا أحاديث خفيفة فيها الجدية والمرح والحلم والتعب.
كنا نلتقي على طبق فول بالزيت الحار لكنه في الحقيقة كان طبقًا من المحبة والإنسانية يوحّدنا رغم اختلاف مواقعنا وأدوارنا.
في تلك اللحظات البسيطة كان الفول يصبح أكثر من طعام كان رمزًا لبداية يوم جديدة وطقسًا يعيدنا إلى جوهرنا الإنساني المشترك تمامًا كما فعل عبر أجيال متعاقبة في شوارع مصر وأحيائها.
وقد تناولت السينما المصرية مشهد الفول باعتباره لحظة صدق بين الإنسان وحياته اليومية.
نراه في أفلام عاطف الطيب وصلاح أبو سيف ونجيب محفوظ كرمز للبساطة ومقياسًا حقيقيًا لمدى معاناة الطبقات الكادحة.
الفول في هذه السرديات ليس مجرد طعام بل أيقونة للمقاومة الهادئة مقاومة الغلاء وضغوط الحياة.والبحث عن الكرامة في لقمة عيش.
يختزن ساندوتش الفول في طياته هويةشعب فهو غذاء الفجر والعمل ورمز للجدعنة والتكافل.
وحين نفكر في ثقافة ساندوتش الفول فإننا نقرأ في الواقع ثقافة الحياة اليومية للمصري كيف يواجه الصعاب بابتسامة ويجد في بساطة الأشياء عمقًا ومعنى.
إنها فلسفة “العيش بالرضا” التي تحولت مع الوقت إلى جزء من تراثنا الإنساني الحي تراث لا يُحفظ في المتاحف بل في الأرواح والمقاهي والطرقات.
وهكذا … فإن “ساندوتش الفول” ليس مجرد طعام شعبي بل حكاية في رغيف تختصر التاريخ والأيام تؤكد على البعد الاجتماعي للمصري في لقمة حب وعرق وكفاح.
هو أيضا شاهد على روحٍ لا تنكسر وعلى ثقافةٍ قادرة أن تجد في البساطة جمالًا وفي التفاصيل الصغيرة معنىً للحياة.
واختم مقالي بما كتبه
الشاعر أحمد فؤاد نجم
ومن أشهر ما ورد له في هذا السياق قصيدته
الفول يا ولاد هو أكل الملوك
والفول يا ولاد طعام المساكين
واللي ياكل فول عمره ما يشكي من جوع
ولا يعرف الجوع طريقه لمين
اللحمة حلوة.. ما نقولش لأ
بس فين اللحمة يا ناس فين؟
لما الغلابة يشوفوا ريحتها
يدوخوا ويفضلوا يومين
يا فول يا رمز البساطة والعيش
يا سند الغلبان والمسكين
ما تزعليش يا لحمة من كلامي
أصل الفول حبيب الملايين