
استوديو التحليل: حرب غزة… وماذا بعد؟
✍️ بقلم/ سهام عزالدين جبريل
لم تعد حرب غزة مجرد حدثًا عسكريًا فحسب، بل تحوّلت إلى نقطة انعطاف تاريخية في مسار الصراع العربي الإسرائيلي، وكاشفًا لموازين القوى الإقليمية والدولية في مرحلة يعاد فيها رسم خريطة الشرق الأوسط.واعادة بناء تحالفات جديدة تتؤام وموازين القوي الدولية والإقليمية ومتغيراتها المستجدة والسؤال الملح الذي نستدعيه اليوم هو :
“فما الذي أفرزته الحرب؟.
* وما هي ملامح المستقبل التي ترسمها تداعياتها؟
في الحقيقة إن الموضوع يحمل تناقضات وتجاذبات متعددة تحمل تداعيات مستقبلية تحملها رياح المتغيرات المستجدة وهنا لابد ان نبدا من الخطوة الاولي لدراسة وتحليل توقعات ماهو قادم :
أولًا: المتغيرات التي أفرزتها الحرب
1. تآكل الردع الإسرائيلي:
أظهرت الحرب هشاشة العقيدة الأمنية الإسرائيلية، وأثبتت أن التفوق العسكري لا يعني السيطرة الدائمة. تراجع الردع سيؤدي إلى تغيّر في السلوك الاستراتيجي لإسرائيل، التي ستسعى إلى ترميم صورتها بوسائل دبلوماسية واقتصادية بعد فشلها العسكري.
2. اعادة القضية الفلسطينية إلى مركز المشهد:
أعادت غزة ترتيب الأولويات الدولية، وأجبرت العواصم الغربية على التعامل مع جوهر الصراع بدلًا من أعراضه. القضية لم تعد قضية “أمن إسرائيلي” بل قضية تحرر إنساني تتصل بالعدالة الدولية.
3. تحوّل الوعي العربي:
خلقت الحرب حالة وعي شعبي غير مسبوقة، تجاوزت الانقسام السياسي، وأعادت فكرة الوحدة الوجدانية العربية حول فلسطين كرمز للكرامة والهوية.
ثانيًا: دور مصر في موازنة المعادلة ووزنها الإقليمي والدولي :
برز الدور المصري كأحد الثوابت الاستراتيجية في حفظ الأمن الإقليمي.
رفضت القاهرة أي شكل من أشكال التهجير، وأكدت أن أمن غزة من أمن سيناء.
أدارت مفاوضات معقدة بين أطراف متناقضة دون الانزلاق إلى تحالفات مؤقتة أو مواقف انفعالية.
طرحت رؤية متوازنة لإعادة الإعمار تضمن السيادة الفلسطينية وتمنع تفكيك القطاع سياسيًا.
مصر في هذه الحرب لم تكن وسيطًا فقط، بل فاعلًا إقليميًا يعيد تعريف قواعد اللعبة في منطقة الشرق الأوسط.
ثالثًا: انعكاسات الحرب على الإقليم
1. إعادة تشكيل المحاور:
أدت الحرب إلى إعادة تموضع القوى الإقليمية. فبعض الدول أعادت النظر في علاقاتها مع إسرائيل، بينما برز محور جديد يوازن بين دعم المقاومة والبحث عن تسوية سياسية.
2. تنامي دور الفاعلين غير الدوليين:
أكدت الحرب أن التنظيمات المسلحة لم تعد مجرد أدوات ضغط، بل عناصر مؤثرة في رسم القرار السياسي، ما يفرض إعادة التفكير في بنية الأمن الإقليمي.
3. تراجع الثقة في المنظومة الدولية:
أظهرت ازدواجية المعايير في التعامل مع مأساة غزة تآكل مصداقية المؤسسات الأممية، الأمر الذي سيعجّل بظهور أطر جديدة للتعاون الإقليمي المستقل.
رابعًا: الرؤية المستقبلية – توقعات ما بعد الحرب
1. نظام أمني جديد للشرق الأوسط:
من المرجح أن تتجه المنطقة نحو نظام أكثر تعددية، تُعاد فيه صياغة التحالفات على أساس المصالح المشتركة، لا الولاءات القديمة.
ستتبلور أدوار قوى عربية صاعدة تمتلك وزنًا سياسيًا واقتصاديًا، وتبرز مصر في مقدمتها.
2. تحوّل المقاومة إلى مشروع سياسي متكامل:
بعد الصمود الميداني، ستنتقل المقاومة الفلسطينية إلى مرحلة البناء السياسي والإداري، بما يفرض على العالم التعامل مع كيان فلسطيني جديد أكثر صلابة وتنظيمًا.
3. تراجع مشروع فكرة “الشرق الأوسط الجديد” بالمفهوم الغربي:
فالحرب أبطلت مقولة “التطبيع مقابل الاستقرار”، وأثبتت أن تجاهل جذور الصراع يولّد أزمات متكررة.
وستسعى بعض القوى الغربية إلى إعادة صياغة المبادرة بما يضمن أمن إسرائيل دون استفزاز الرأي العام العربي، وهو ما لن ينجح في ظل تصاعد الوعي الشعبي.
4. بروز المسار الإعلامي والمعرفي كجبهة جديدة:
الحرب أظهرت أن معركة الرواية لا تقل أهمية عن الميدان.
ومن المتوقع أن يتوسع الإعلام المستقل العربي في إنتاج سردية موازية تعيد التوازن إلى الخطاب الدولي حول فلسطين.
خامسًا: السيناريوهات المحتملة
*سيناريو الاستقرار النسبي: عبر هدنة طويلة وبدء إعادة الإعمار تحت إشراف إقليمي.
*سيناريو التوتر المستمر: إذا فشلت التسويات السياسية وتواصلت الانتهاكات، مما قد يدفع إلى انفجار جديد.
*سيناريو التحول الإيجابي:
وهو الأكثر تفاؤلًا، ويعتمد على نجاح العرب في تحويل مأساة غزة إلى منطلق لبناء رؤية أمنية واقتصادية جماعية تحفظ امن المنطقة وتؤسس لمنظومة امن جماعي في منطقة تمثل محور استراتيجي مؤثرة بقوة في عام يشهد تغييرات في موازين القوي الدولية الجديدة .
وفي الختام وما اراه من وجهة النظر المعتدلة والمتوزانه :
إن ما بعد حرب غزة لن يشبه ما قبلها ابدا نحن امام صياغة تعيد إنتاج موازين قوي جديدة
فلقد انكشفت حدود القوة الإسرائيلية، وتجددت روح المقاومة، وتبدلت خرائط النفوذ.
تلك الحرب برغم قسوتها ،فقد صنعت محنة غزة رغم آلامها،تحولا جذريا علي المستوي الدولي والإقليمي حيث دشّنت مرحلة وعي عربي جديد، يضع الإنسان في قلب المعادلة، ويعيد للقضية الفلسطينية مركزيتها بوصفها مرآة للعدالة في العالم ودعوة للإنصاف وانتصار للإنسانية .
وهذا ما حركته صحوة شعوب العالم التي تحركت حتي في اعتي الدول الصديقة للكيان الصهيوني
فمن تحت الركام وابادة الارواح ايقظت غزة الضمير الإنساني حيث شهد العالم حالة مأساة غزة وهي تولد الأفكار،. وتلهم الضمائر ومن بين الحصار تُولد الإرادة،
ولعل ما بعد الحرب… هو بداية تحول استراتيجي في الوعي والاتجاه نحو شرق أوسط تُرسم حدوده بإرادة شعوبه، واحترام حقوقها لا بإملاءات وتخطيطات القوى الكبرى
—
خالص تحياتي
د/ سهام عزالدين جبريل
دكتوراه في الإعلام السياسي والعلاقات الدولية
-زمالة الأكاديمية العسكرية للدراسات الاستراتيجية العليا – عضو البرلمان المصري عن سيناء سابقًا