
بين مطرقة العُرف وسندان القضاء العُرفي.. بقلم عادل محسن أرناؤوط
أعلم أن حديثي هذا قد يكون صادمًا للبعض ولكن — واهٍ من لكن — فالكثيرون يخلطون بين العُرف والقضاء العُرفي ويحسبونهما وجهين لعملة واحدة بينما الحقيقة أن بينهما فارقًا جوهريًا في النشأة والوظيفة والدور الاجتماعي.
فالعُرف هو ما اصطلح عليه الناس في مجتمعٍ ما لينظم علاقاتهم الاجتماعية ويُحدد سلوكهم في الأفراح والأتراح والمناسبات العامة في مناخ من الرضا والقبول الجماعي من الرجال والنساء على حد سواء. وغالبًا ما يجد القادم الجديد إلى هذا المجتمع نفسه منجذبًا — بل مضطرًا — لاحترام هذه التقاليد والتمسك بها وإن كانت غريبة عنه في البداية.
العُرف ينشأ ويترسخ سواء بوجود الدولة أو في غيابها ويتطور بطبيعة الحياة وتغير ضروراتها وأساليبها فهو مرن بطبعه يواكب تطورات الزمن دون أن يفقد جوهره.
أما القضاء العُرفي فهو نظام نشأ أساسًا لضبط المجتمع في أوقات غياب الدولة أو ضعف سلطتها فكان بمثابة وسيلة لحفظ الأمن ومنع الفوضى.
يتميز هذا القضاء بوجود آليات ملزمة ومراحل تقاضٍ وإجراءات عقابية يقبلها الناس حفاظًا على الاستقرار حتى وإن لم ترضِ جميع الأطراف لأن البديل عنها هو قانون الغاب. ويُعد شرف العائلات والقبائل هو الضامن الأبرز لتنفيذ أحكامه.
يتطور القضاء العُرفي ببطء شديد أقرب إلى الجمود وتقل الحاجة إليه كلما قويت مؤسسات الدولة وسادت قوانينها عبر أجهزتها القضائية والأمنية ومع ذلك لا يزال هذا القضاء ملاذًا معتبرًا حتى لدى الأجهزة الرسمية خصوصًا في النزاعات ذات الطابع القبلي والعائلي لما يتميز به من سرعة الفصل والرضا بالنتيجة — ولو على مضض — مقارنة بالقضاء الرسمي الذي قد تطول إجراءاته.
ورغم ما يُوجَّه إليه من ملاحظات فقد ظل القضاء العُرفي عبر التاريخ وسيلة لرد المظالم وإنهاء النزاعات وحفظ الحقوق….. وقد برز فيه فريقان …
فريق من قضاة العدل الذين جعلوا من هذا القضاء منبرًا للحق والإنصاف فاستحقوا الاحترام داخل مجتمعاتهم يشكلون الاكثرية .
وفريق آخر امتهن هذا القضاء وجعله حرفة للتكسب فأساء إلى سمعته ومكانته و هم قلة الاوان تأثيرهم كان خطيرا في الإساءة إليه و فقد ثقة المواطنين به و برجاله .
إن الحاجة إلى تطوير القضاء العُرفي أصبحت اليوم ملحة وضرورية ليواكب العصر بوسائله وآلياته الحديثة فلا يُعقل أن تبقى بعض الممارسات — مثل أساليب التوثيق البدائية أو الأفعال التي تمس كرامة الأفراد — قائمة باسم العُرف وهي أقرب إلى البلطجة منها إلى العدالة.
و في عصرنا الحالي يختلف الناس في نظرتهم الي القضاء العرفي فالبعض يراه أمرا لازما يسهم في ضبط المجتمع بكل مافيها مع بعض التطوير و البعض يريد أن يحيطه بهالة من القداسة فلا يقترب منه أحد بل ويريده فوق قانون الدولة وهناك من يراه مظهرا من مظاهر التخلف و جزء من الماضى مكانه متاحف التراث.
لذلك بات من المهم الإعداد لعقد مؤتمر موسع يضم القضاة العرفيين والباحثين ورجال القانون لمناقشة واقع القضاء العُرفي وتنقيته مما شابه من ممارسات حتي لا يصطدم بأحكام الشريعة الإسلامية و القوانين الرسمية ووضع تصور حديث يجعله متوافقًا مع روح العصر ويعرّف الأجيال الجديدة بهذا الموروث الذي شكّل وما زال جزءًا أصيلًا من بنية المجتمع المصري خاصة القبلي منه.