آراء وتحليلات

لعبة الكراسي الموسيقية

دكتور / السيد مرسى الصعيدى

إذا أردت أن ترى القانون وهو يرتدي بيجاما النوم ويجلس في ركن القاعة يراقب ما يحدث في دهشة، فما عليك إلا أن تمرّ مرور الكرام على المادة التاسعة من قانون العمل الجديد…    فقد نشرت الجريدة الرسمية مؤخرًا نص المادة التاسعة من قانون إصدار قانون العمل الجديد، الصادر بالقانون رقم (14) لسنة 2025، والتي تنص على أن القضايا الجنائية التي تختص بها المحاكم العمالية والمنظورة حاليًا أمام المحاكم الجنائية الجُزئية، يجب أن تصدر فيها هذه المحاكم قرارًا بعدم اختصاصها نوعيًا بنظرها، مع تكليف النيابة العامة بإعادة قيدها كـجنحة عمالية وعرضها على الدائرة العمالية المختصة هذا النص الذي قرر أن القضايا الجنائية العمالية التي كانت تنام قريرة العين في أحضان المحاكم الجنائية الجزئية… عليها أن تحزم حقائبها وتذهب إلى بيت جديد: المحكمة العمالية ،لكى تفصل في قضية جنحة عدم صرف راتب عامل .

فالقاضي في المحكمة الجزئية سيجد نفسه – بكل هدوء – من خلال ملف الدعوى الذى وضعه كاتب الجلسة أمامه ليكتب عليها: «عدم اختصاص» … وهذا يعنى ” أرجعى من حيث أتيت”، ثم يتم أرسل القضية إلى النيابة العامة لتقوم بدورها بإعادة قيدها تحت اسم جديد: «جنحة عمالية». وكأننا أمام عرض مسرحي عنوانه “البس القضية طاقية جديدة… تصبح حاجة تانية خالص! ، فالنيابة العامة بدورها ستقوم بدور المخرج المسرحي المحترف، فتُعيد ترتيب الأوراق وتُلبس القضية الزيّ الرسمي العمالي، ثم يتم عرضها في قاعة بدائرة المحكمة العمالية المختصة، وبينما القضية تتنقّل من محكمة إلى أخرى، ومن دفتر إلى دفتر، … يقف العامل المسكين على الرصيف متسائلًا: هي القضية شغالة… ولا بتتدرب على الجري في الماراثون؟ فالقانون قال كلمته… والمحاكم بدورها قالت: “مش اختصاصنا يا بيه”، والنيابة قالت: “حاضر يا فندم”، أما المواطن فجلس في بيته يحتسي الشاي ويتأمل الورق وهو يدور، ويدور… ويدور. كأننا في لعبة (الكراسي الموسيقية) ولكن من دون موسيقى… الكل يتحرك، إلا العدالة التي ما زالت تبحث عن كرسي تجلس عليه!

وأخيرا … قرار المحكمة الجُزئية بعدم الاختصاص النوعي لا يُعد حكمًا في موضوع الدعوى، وإنما هو إجراء تنظيمي يهدف إلى توحيد جهة الاختصاص وتيسير سرعة الفصل في القضايا العمالية، دون تأخير لأنه لو استمر الحال على هذا المنوال، قد نصل إلى يوم تُعلّق فيه لافتة على باب المحكمة تقول مغلق للإصلاحات، فالإصلاح التشريعي الحقيقي ليس في كتابة مواد أنيقة في الجريدة الرسمية، بل في جعلها تمشي على الأرض بسلاسة… دون أن يضطر العامل والمواطن لتعلم فن السير في دهاليز العدالة

الى اللقاء: دكتور / السيد مرسى الصعيدى