آراء وتحليلات

استوديو التحليل: بناء الوعي وتعزيز الهوية الوطنية… من سيناء تبدأ معركة الإدراك

بقلم/ سهام عزالدين جبريل

في ضوء توجيهات فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي بتنظيم زيارات مكثفة لطلاب المدارس والجامعات إلى سيناء، بهدف تعزيز الوعي الوطني وترسيخ الهوية المصرية، تتجدد أهمية طرح قضية الوعي الوطني ليس بوصفها شعارًا ثقافيًا، بل باعتبارها قضية أمن قومي ثقافي وإنساني، ترتبط ببقاء الدولة واستقرارها على المدى الطويل.

لقد أصبحت معركة الوعي اليوم هي الوجه الجديد لمعركة الدفاع عن الوطن — معركة تستهدف العقل قبل الحدود، والفكر قبل السلاح.

أولاً: الوعي مشروع دولة لا مبادرة مؤقتة
الوعي لا يُبنى بالمناسبات، بل برؤية وطنية متكاملة تشترك فيها التربية والتعليم والثقافة والإعلام.
المواطن الواعي لا يُلقَّن، بل يُمكَّن من الفهم والتحليل والمقارنة.
حين يتعلم الطالب كيف يفكر، وكيف يربط بين الحاضر والماضي، يصبح مشاركًا في صناعة الوطن لا متفرجًا عليه.

ثانيًا: سيناء… مدرسة مفتوحة في الوطنية

سيناء ليست فقط جغرافيا مقدسة، بل ذاكرة وطنية حية تختزن معاني الصمود والحفاظ على التراب الوطنى والبناء والانتماء .
وهنا يكمن الهدف من تنظيم الزيارات الطلابية إلى سيناء التى ينبغي أن تتحول إلى منصات تعليم ووعي ميداني، يرى فيها الطلاب مشروعات التنمية، ويستوعبون كيف تحولت أرض المعارك إلى واحة استثمار وأمل.
كما يجب إعداد أبناء سيناء أنفسهم ليكونوا سفراء وعي وتنمية، يقدمون سرديتهم الوطنية بروح الفخر وتقديم الصور والنماذج الوطنية التى صنعها الآباء والأجداد خلال السنوات الصعبة والمشاركة فى احيائها وتقديم النماذج الوطنية المشرفة وتجاربها النضالية .

ثالثًا: منهج مقترح للأمن القومي – المفاهيم والأطر والأدوات

في ظل التحديات الفكرية والإعلامية التي تواجه الأجيال، أصبح من الضروري أن يُدرج ضمن المناهج الدراسية منهج خاص بالأمن القومي،
يتناول:

1. المفاهيم الأساسية للأمن القومي الشامل (الاقتصادي، الثقافي، البيئي، المعلوماتي).

2. العلاقة بين المواطن والدولة في حماية المصالح الوطنية.

3. مهارات التفكير النقدي والتربية الإعلامية ومواجهة الشائعات.

4. الهوية المصرية كدرع نفسي ومعنوي في مواجهة محاولات التزييف والانقسام.

ويمكن أن تكون سيناء النموذج التطبيقي الأول لهذا المنهج، بما تحمله من رمزية في الدفاع عن الوطن، وموقعها كميدان متكامل لفهم علاقة الأمن بالتنمية.

رابعًا: الإعلام… الشريك المحوري في بناء الوعي

الإعلام الوطني هو السلاح الموازي للمؤسسة التربوية في معركة الوعي.
فهو الذي يصوغ الصورة الذهنية للوطن، ويعيد إنتاج الخطاب الوطني بلغة قريبة من الناس.
نحتاج إلى إعلام تحليلي تنويري لا يكتفي بتغطية الأحداث، بل يشرح سياقاتها ويحفّز التفكير النقدي لدى الجمهور.
كما يجب أن تُفعَّل الشراكة بين الإعلام والتعليم عبر:

برامج وثائقية ومحتوى رقمي يعرّف الطلاب بتاريخهم ومشروعاتهم وان تطبق فى برامجهم ومشروعات التخرج فى الجامعات والمدارس على حد سواء

تدريب النشء على التربية الإعلامية للتمييز بين المعلومة والدعاية.

عرض حكايا وقصص واقعية عن رموز وطنية معاصرة تُقدَّم بلغة بصرية جاذبة يمكن أن يحكيها من عاشو تلك المرحلة أو ابنائهم .

الإعلام ليس مرآة للواقع فحسب، بل مُهندس للعقل الجمعي حين يلتزم بالمسؤولية الوطنية والمعرفة الدقيقة.

خامسًا: برنامج للبناء القيمي وتحصين الأجيال

إن بناء الوعي لا يكتمل دون منظومة قيمية متماسكة تُزرع في النشء منذ المراحل الأولى للتعليم.
ولذلك أقترح إعداد برنامج وطني للبناء القيمي والتحصين الفكري، يتكامل فيه الجانب التربوي والثقافي والإعلامي، ويهدف إلى:

1. إحياء منظومة القيم المصرية الأصيلة: الانتماء، التضامن، العمل الجماعي، احترام التنوع إشراك القادة المحليين فى دعم منظومة القيم .

2. تدريب المعلمين والمشرفين الاجتماعيين على دمج القيم في الأنشطة المدرسية اليومية.

3. تنفيذ رحلات ميدانية ومبادرات تطوعية تربط الشباب بواقعهم المجتمعي ومشروعات وطنهم.

4. إنشاء نوادٍ طلابية للقيادة والمسؤولية داخل المدارس والجامعات لبناء مهارات الحوار والاختلاف الإيجابي.

5. تخصيص محتوى إعلامي موجّه يدعم البرنامج القيمي ويُبرز النماذج الشبابية الملهمة في كل محافظة.

إن هذا البرنامج لا يحصّن الأجيال من الانجراف وراء دعاوى التفكيك فحسب، بل يعيد صياغة الشخصية الوطنية المصرية وفق معايير الوعي، والمسؤولية، والانتماء الفعّال.

سادسًا: نحو رؤية وطنية شاملة

بناء الوعي الوطني وتعزيز الهوية لا يمكن أن يكون جهدًا متفرقًا، بل إستراتيجية وطنية تُنسَّق فيها أدوار وزارات التربية والتعليم والثقافة والإعلام والشباب والمجتمع المدني.
حين نُحوّل الوعي إلى منهج حياة، والقيم إلى سلوك اجتماعي يومي، نصنع جيلًا محصنًا ضد الشائعات، ومؤمنًا بأن الوطن مسؤولية ووعي لا شعور عابر.

ختامًا:

لقد انتصرت سيناء بالسلاح في معارك الأرض، واليوم تخوض معركتها الكبرى في ميدان الوعي والبناء.
وإذا كان الدفاع عن الوطن يبدأ بالبندقية، فإن الحفاظ عليه يبدأ بالفكرة والعقل والضمير.
فما أحوجنا اليوم إلى مشروع وطني يُعيد تشكيل الوعي الجمعي للأجيال الصاعدة…
مشروع يحمل عنوانًا بسيطًا لكنه جوهريًا: “من الوعي تبدأ الدولة”.


خالص تحياتى
❤️ ❤️
د/ سهام عزالدين جبريل
دكتوراه في الإعلام السياسي والعلاقات الدولية
-زمالة الأكاديمية العسكرية للدراسات الاستراتيجية العليا – عضو البرلمان المصري سابقًا