
الجامعة العربية في عامها الثمانين: بين حلم الوحدة وتحدّيات التشرذم
بقلم /سهام عزالدين جبريل
شرفت الاسبوع الماضي بدعوة لحضور احتفالية مجلس الشباب العربي على مرور ثمانين عاما مرت منذ تأسيس الجامعة العربية والذى دشنها شباب الوطن العربي بهذه المناسبة فى المقر الرئيس للجامعة العربية فى القاهرة.
وفى الحقيقة برغم ماكان يشاع عن الجامعة العربية وما وصلت إلى وأنها فقدت فعاليتها وحضورها ولم تعد لها جدوى!!!

لكنى فى الحقيقة ماوجدته من قبل الشباب العربي وذلك الحماس الذى صاحب هذه الاحتفالية المميزة تيقنت أن القادم سيشهد مرحلة جديدة للدفع بهذه المنظمة العريقة أن تعيد البناء من جديد معتمدة على سواعد الشباب العربى ومن خلال مجلس الشباب العربي كنموذج مميز جمع بين شباب الأمة، ووحد النبض العربى من الخليج إلى المحيط.
ثمانون عامًا انقضت منذ أن وُقّع ميثاق جامعة الدول العربية في القاهرة عام 1945، لتكون أول واقدم منظّمة إقليمية تجمع الدول الناطقة بالعربية على أساس الهوية والمصير المشترك. كان الحلم آنذاك كبيرًا، يتجاوز التنسيق السياسي إلى طموح الوحدة والتحرّر وبناء مشروع عربي متكامل. غير أنّ المشهد الراهن، بعد ثمانية عقود، يدفعنا إلى التساؤل بجرأة: ماذا تبقّى من ذلك الحلم؟

*منذ لحظة التأسيس حتى اليوم، تنوّعت أدوار الجامعة بين التوفيق بين المواقف واحتواء الأزمات ومحاولات الإصلاح المؤسسي. ورغم نجاحها النسبي في دعم حركات التحرّر الوطني، والوقوف إلى جانب القضية الفلسطينية، وتوحيد بعض المواقف في المحافل الدولية، فإنّها واجهت – ولا تزال – تحدّيات بنيوية حالت دون بلوغ التكامل المنشود.
لقد كشفت الحروب العربية – الإسرائيلية، والاحتلال الأمريكي للعراق، والانقسامات التي عصفت بعدد من الدول، أنّ الجامعة كانت دائمًا مرآة لحالة النظام العربي نفسه: إن توحّد، توهّج صوتها، وإن تشرذم، خبا تأثيرها.
*واليوم، ومع التحوّلات الإقليمية المتسارعة، تعود الجامعة إلى الواجهة مطالبةً بأن تعيد تعريف ذاتها ودورها في عالم لا يعترف إلا بالقوّة المؤسسية والتكامل الاقتصادي والتكنولوجي. فالتحدّيات الجديدة – من الأمن المائي والغذائي إلى التحوّل الرقمي والتغيّر المناخي – تفرض رؤية عربية مشتركة لا يمكن لأي دولة بمفردها أن تواجهها.

*لقد آن الأوان لأن تنتقل الجامعة من دبلوماسية البيانات إلى استراتيجية الفعل المشترك، عبر إعادة هيكلة آليات اتخاذ القرار، وتفعيل معاهدات الدفاع والاقتصاد والثقافة المشتركة، وتعزيز أدوار المجالس النوعية المتخصّصة.
ويبرز في هذا السياق الدور المحوري للإعلام العربي، الذي ينبغي أن يتحوّل إلى أداة لبناء وعي قومي مشترك، يغرس في الأجيال الجديدة الإيمان بالانتماء والمصير الواحد، لا بثقافة الانقسام والتبعية
*هل يمكن للجامعة أن تُعيد تجديد شبابها؟
سؤال يبدو بسيطًا، لكنه يحمل في جوهره مستقبل العمل العربي المشترك.
فالتجديد لا يعني مجرد تحديث اللوائح والهياكل، بل بعث الفكرة العربية نفسها بروحٍ جديدة تتّسع للحداثة والتنوّع، وتستوعب المتغيّرات الدولية المتلاحقة.
يمكن للجامعة أن تستعيد شبابها حين تنفتح على طاقات الشباب العربي، وتُشركهم في صياغة السياسات المستقبلية، فتتحوّل من مؤسسة بيروقراطية إلى منصة حوار واستشراف للمستقبل، تستند إلى البحث العلمي، والابتكار، والذكاء الاصطناعي كأدوات لصناعة القرار.
*نحو ميثاقٍ عربيّ جديد للأمن والتكامل
*إن مرور ثمانين عامًا على تأسيس الجامعة لا ينبغي أن يكون مناسبة احتفالية فحسب، بل محطة لإطلاق رؤية إصلاحية شاملة تعيد بناء مفهوم الأمن القومي العربي بمنهج متكامل — سياسي واقتصادي ومجتمعي وثقافي.
قد يبدأ ذلك بإنشاء مجلس عربي للأمن القومي والتنمية المستدامة، يتولى صياغة سياسات موحّدة لمواجهة الإرهاب العابر للحدود، وأزمات الغذاء والمياه، والتهديدات الرقمية، مع وضع استراتيجية عربية موحّدة للتحوّل الرقمي والذكاء الاصطناعي تضمن للأمة العربية مكانتها في المشهد العالمي القادم
*ثمانون عامًا مرّت، والجامعة العربية تقف اليوم أمام مفترق طرق:
إما أن تُعيد صياغة دورها بروح القرن الحادي والعشرين، أو تظل أسيرة الماضي وشعاراته.
والأمّة التي تملك هذا الإرث وهذه الثروات والعقول، قادرة – متى امتلكت الإرادة – على تحويل الجامعة من مؤسسة للبيانات إلى بيتٍ فعليٍ للأمّة العربية، يليق بتاريخها العريق وقوتها الإقليمية والدولية وقواها الشاملة من خلال دولها التى تقع فى منطقة لها قيمتها الحضارية والمكانية والجيو استراتيجية ، ومن حق شباب الوطن أن يصاغ مستقبلها على ايدى شباب معتز بعروبته ومؤمن بقضايا امته وحقها في التواجد القوى والفاعل على الخارطة العالمية قبل الإقليمية.
خالص تحياتي
دكتوره / سهام عزالدين جبريل
دكتوراه في الإعلام السياسي والعلاقات الدولية
-زمالة الأكاديمية العسكرية للدراسات الاستراتيجية العليا – عضو البرلمان المصري سابقًا