آراء وتحليلات

في تحول غير مسبوق داخل الحزب الديمقراطي.. انتخاب زهران ممداني عمدة لمدينة نيويورك

شهدت الولايات المتحدة حدثا سياسيا لافتا تمثل في انتخاب زهران ممداني عمدة لمدينة نيويورك في تحول غير مسبوق داخل الحزب الديمقراطي إذ يمثل فوزه نقطة تحول في مسار التيار التقدمي الذي استطاع أن يفرض حضوره على الساحة ويقدم وجها جديدا للسياسة الأمريكية المعاصرة.

زهران ممداني شاب من أصول مهاجرة ولد في أوغندا وانتقل في طفولته إلى نيويورك حيث عاش تجربة المواطن العادي في المدينة الصاخبة وبدأ نشاطه من الميدان الأقرب إلى الناس وهو الدفاع عن حقوق المستأجرين ومشكلات السكن ليصعد بخطوات ثابتة إلى عضوية المجمع التشريعي للولاية ثم إلى موقع العمدة وهو أول مسلم وأول شخص من أصول جنوب آسيوية يتولى هذا المنصب.

الناخبون الأمريكيون في نيويورك بعثوا برسالة واضحة من خلال صناديق الاقتراع فقد اختاروا وجها يعبر عن همومهم اليومية في مواجهة ضغوط المعيشة وارتفاع الإيجارات وغلاء الخدمات ولم يلتفتوا إلى حملات التخويف أو الخطابات العنصرية التي حاولت النيل منه بسبب دينه أو أصوله بل رأوا فيه صوت التغيير والعدالة الاجتماعية.

فوز ممداني يعكس أيضا تحولا ديموغرافيا وثقافيا داخل المجتمع الأمريكي حيث باتت الأقليات والمهاجرون قوة مؤثرة قادرة على إيصال ممثليها إلى مراكز القرار الكبرى كما أنه يجسد صعود جيل جديد من الساسة الشباب الذين يطرحون رؤى تقدمية ترتكز على قضايا العدالة والمساواة وحماية البيئة وحقوق الفئات المهمشة.

ورغم الزخم الشعبي الذي أحاط بفوزه فإن التحديات أمامه كبيرة فوعوده الانتخابية الطموحة مثل النقل المجاني وتثبيت الإيجارات تحتاج إلى موارد ضخمة وتوافق سياسي مع هيئات المدينة المختلفة كما أن مواقفه اليسارية قد تضعه في مواجهة مع التيارات التقليدية داخل الحزب الديمقراطي ومع مصالح اقتصادية نافذة تحاول مقاومة أي تغيير يهدد نفوذها.

لكن دلالة انتخابه تتجاوز حدود نيويورك فهو مؤشر على أن المجتمع الأمريكي بدأ يفتح أبوابه أمام التنوع الديني والعرقي وأن صورة المسلم في الغرب تتبدل تدريجيا من مجرد مواطن مهمش إلى شريك فاعل في صناعة القرار وهذه الدلالة تحمل صدى إيجابيا في العالمين العربي والإسلامي حيث يُنظر إلى تجربته كمثال على قدرة الكفاءة والإخلاص على كسر الحواجز وإثبات الذات.

بهذا المعنى يمكن اعتبار فوز زهران ممداني محطة رمزية في تاريخ المشاركة السياسية للأقليات في الولايات المتحدة ونافذة أمل لجيل جديد يؤمن بأن السياسة ليست امتيازا للنخبة بل وسيلة لخدمة الناس وتحقيق العدالة الاجتماعية.