
حنانيك يا طبيب
بقلم الدكتور / السيد مرسى الصعيدى
تناقلت الصحف اعتراض أطباء مصر على قانون المسؤولية الطبية بسبب قضايا الحبس، فقلت احسنت الحكومة صنعا بالحبس الاحتياطي، هذه ليست نكتة من النكات، حيث كنا نظن أن الطب رحمة، فإذا به ـ سببٌ في كثرة المآسي! تلك حقيقة علمية موثقة بالأرقام والإحصاءات، فعندما بتوقف الاطباء ينخفض عدد الوفيات! نعم، كما سمعت يا عزيزي القارئ، انخفضت، ولا زالت والإحصاءات خرجت من دول عديدة تؤكد ذلك ، حيث تبين أن معدل الوفيات في فترات الإضراب الطبي تنخفض بنسبة ملحوظة، كأن الناس صارت تعيش أكثر عندما تختفى “السماعة” و”الروشتة” و”المشرط”! والمرضى لا يطرقون أبواب العيادات الخاصة ليل نهار، ووجدوا في غياب الطبيب فرصة للراحة النفسية ! لا تحاليل، لا أشعة، لا وصفات بأسماء أعجمية لا يقدر المريض على نطقها، أصبح العلاج “بلدي”: دعاء، راحة، وشوربة عدس! والنتيجة؟ الصحة تمام التمام
مهلاً… لا نريد أن يظن أحد أننا نُهاجم الأطباء جمعاء، فبينهم عباقرة وشرفاء يُضحّون بوقتهم وجهدهم من أجل إنقاذ الأرواح. لكن الحكاية كلها في الأغلبية التى تحتاج إلى طبيب لعلاجهم قبل أن يعالج المرضى! ، فالأطباء في مصر أنفسهم مثقلون بالهموم: تدني الأجور، نقص الإمكانيات، فالمريض لا يذهب للمستشفى طلبًا للعلاج فقط، بل ليشكو من كل شيء: من الحظ، ومن الأسعار، ومن القدر الذي ألقى به على سرير حديدي، تحوم حوله الممرضات كأنهن “فراشات فقدت الاتجاه”.يستقبله الطبيب ببسمة عريضة كأنه يقول “اهلاً بالعملة الصعبة”، يربت على كتفه فى حنوٍّ مصطنع، ثم يهمس للممرضة: “اعملى له رسم قلب، وتحاليل شاملة، وأشعة مقطعية من قمة رأسه لغاية ظفر رجله… و المريض المسكين يظن أن هذا كرم طبىّ، ولا يعلم أن الكرم الوحيد فى هذه الفاتورة فكل جهاز يرنّ، وكل إبرة تُغرز، وكل “سرنجة” تُفتح، تُضاف للسيد الفاتورة كأنها عدّاد تاكسى فى شارع مزدحم. ثم يظهر الطبيب آخر، يبتسم ويقول:”الحالة محتاجة رعاية خاصة يا أستاذ… عندنا جناح VIP فيه هواء ناعم ومخدة سوفت، بس السعر مش ناعم!” أما صاحب المستشفى – أطال الله بقاءه فى دفتر التحصيل – فهو يجلس فى مكتبه كملك من ملوك المال الأبيض، يُمسك بتليفونه ويقول:”افتحوا له ملف… وأغلقوا عليه الباب كويس!” وتنتهى الحكاية بأن يخرج المريض– أخف وزنًا وأخف جيبًا، بعد أن يكتشف أن المرض الذى دخل به كان أهون من الفاتورة التى خرج بها!
وأخيرا …. يا أهل الطب لا تغضبوا، فالمقال ليس ضدكم، بل معكم، لأننا جميعًا مرضى في هذا الوطن الكبير، والشفاء لن يأتي إلا حين نُشفى من فساد النظام الطبي والإداري في كافة القطاعات قبل أمراض الأجسام