
“تريند العريش”.. كيف تحوّل باعة السمك إلى نجوم منصات التواصل … التسويق الإلكتروني له ماله وعليه ماعليه
تحقيق لعادل رستم
في شوارع العريش وبين أصوات الموج وريحة السمك الطازج وُلدت ظاهرة جديدة اجتاحت شبكات التواصل الاجتماعي فيديوهات باعة السمك. مشاهد بسيطة توثق لحظات البيع اليومية لكنها استطاعت في وقت قصير أن تتحول إلى حالة شعبية واسعة يتابعها الآلاف بشغف.
المتابع لهذه الفيديوهات سيلفت انتباهه فورًا تلك الجُمل التي تحوّلت إلى علامات مسجلة
“بوري فاخر من الآخر”
“ومتنساش تصلي على النبي”
“السمك يا دولة”
وغيرها من التعليقات العفوية التي خرجت من قلب البياع إلى قلب المتابع دون وسطاء.
اللافت أن جمهور هذه الفيديوهات لم يعد محصورًا في أبناء سيناء بل امتد إلى مختلف المحافظات حيث يجد الناس فيها جرعة من الضحك وروحًا محلية أصيلة وصورة حقيقية للحياة اليومية بعيدًا عن التكلف.
ويرى بعض أبناء العريش أن هذه الظاهرة أعادت تقديم مدينتهم بصورة مختلفة مدينة مليئة بالبهجة وخفة الظل لا كما تظهر في العناوين الجافة أحيانًا.
أما الباعة أنفسهم فالشهرة لم تغيّر فيهم شيئًا—ما زالوا على نفس الموجة بيع السمك والكلمة الحلوة
والضحكة اللي من القلب.
هكذا تحوّلت محلات الاسماك الصغيرة إلى منصّات عرض كبيرة وصار لكل بياع جمهوره ولكل فيديو جمهوره الأكبر.
وبينما تستمر “تريند العريش” في النمو، يبقى السؤال الطريف
هل نرى قريبًا “تريند بوري فاخر” يصل للسينما أو التلفزيون؟
في سيناء… كل شيء ممكن
حتى السمك بقى نجم.
ومصر تلاتين تستطلع آراء أهل سيناء للتعرف على جوانب مختلفة من هذه الظاهرة
لواء السيد مبروك محافظ شمال سيناء الأسبق يقول …
نعم انها ظاهرة اجتماعية ملفته تدعو خبراء البحوث الاجتماعية والمهتمين والاعلاميين إلى دراستها وتوثيقها كمعلم شعبي بالإضافة إلى مجالات أخرى من البيع اتاحت لهم السوشيال ميديا نافذة تسويقية واصبحوا نجوم.

يقول الشيخ درويش أبو جراد
لكن السمك من غلو ثمنه قليل من يشتريه ونحن محافظه منتجه من البحر المتوسط وبحيرة البردويل
لذا تراه منفوس ليس له طعم مثل زمان بسبب الكثير يراه ويتمنى شراؤه ولكن ماباليد حيله
نتمنى ان تكون ويتوفر ضوابط تسعيرية خاصه بحصة مواطنى المحافظه مع مراعاة مجهود الصياد والخروج من احتكار التجار الذين يتحكمون فى الصياد وفى الاسعار بمزاجهم.

يشارك في هذا الرأي عبد المنعم إبراهيم المهتم والخبير في تكنولوجيا المعلومات ويقول إن من فوائد التطور الحادث استثمار النوافذ الإلكترونية والصفحات الشخصية للتسويق للمنتج ورأها شطارة..

وتؤكد السيده احسان داود الغالي مقرر المجلس القومي للمرأة بشمال سيناء ان التسويق عبر الإنترنت لم يعد مقتصرًا على فئة معينة من السلع بل امتد ليشمل كل شيء تقريبًا من الملابس ومستحضرات التجميل إ لى الأدوات المنزلية والمواد الغذائية. ويرون أن هذا النوع من التسوق أصبح واقعًا جديدًا يفرض نفسه على المستهلكين لما يوفره من سهولة في الوصول إلى المنتجات دون الحاجة للنزول من المنزل أو بذل أي جهد، وهو ما يناسب الكثير من الأسر خاصة السيدات.
لكن هذا الانتشار لا يلغي الوجه الآخر للتسوق الإلكتروني الذي يصفه البعض بأنه يحمل مخاطر حقيقية إذ تتكرر الشكوى من وصول منتجات لا تتطابق مع المواصفات المعلنة على صفحات البيع. ويقول مواطنون إنهم تلقوا سلعًا خالفت تمامًا ما شاهدوه في الصور أو قرأوه في الوصف، وهو ما يجعل الشراء غير مضمون في كثير من الأحيان لأن المستهلك لم يفحص السلعة بنفسه ولم يلمسها أو يرى جودتها على الطبيعة.
وتزداد المخاوف حين يتعلق الأمر بشراء الأسماك والأغذية عبر الإنترنت فهذه الفئة من السلع تحتاج معايير دقيقة تتعلق بتاريخ الإنتاج وحالة الطزاجة وطريقة النقل والتخزين. ويشير البعض إلى أنهم واجهوا مشكلات بسبب وصول أسماك غير مطابقة للمواصفات أو غير صالحة للاستخدام وهو ما يضع المستهلك أمام مخاطر صحية ومالية في آن واحد. وأضافت مقررة المجلس القومي للمرأة إلى أن خدمة التوصيل ترفع سعر المنتج بالفعل في وقت يشكو فيه الجميع من ارتفاع الأسعار ومحاولات ترشيد الاستهلاك وتقليل النفقات.
كما ترى أن شراء الأسماك تحديدًا لا يحتمل المغامرة الإلكترونية لأن قيمتها وجودتها تتحدد بالنظر المباشر إلى العين والرائحة والملمس وهي عناصر لا يمكن الحكم عليها عبر الشاشة. لذلك ينصح مواطنون بأن تنزل ربة المنزل إلى السوق بنفسها لاختيار ما تحتاجه من أسماك وتحديد الوزن والجودة على أرض الواقع مؤكدين أن تجارب عديدة أثبتت عدم وصول المنتجات بالشكل المطلوب عند شرائها عبر الإنترنت وأن الاعتماد الكامل على التسويق الإلكتروني في السلع الغذائية ما زال يحمل قدرًا كبيرًا من المجازفة.

لكن خلف هذه الظاهرة الطريفة هناك جانب مهني أكثر عمقاً ربما لا يلتفت إليه كثيرون. فوفقاً لرأي أحد الخبراء في الثروة السمكية والمسؤول عن أحد أحدث مراكز الاستثمار السمكي بجامعة العريش د صلاح صقر فإن السوشيال ميديا لم تعد مجرد منصة للترفيه بل تحولت إلى ركيزة حقيقية في تسويق الإنتاج السمكي.
يقول الخبير إن المركز بدأ منذ ثلاث سنوات في تطبيق ما يسمونه “التسويق مسبق الدفع” وهو أسلوب يعتمد على بيع الأسماك قبل خروجها من الأحواض.
فلا إعلان عشوائياً ولا نداء: “مين عايز سمك؟”… بل خطة كاملة تعتمد على فيسبوك وواتساب وتليجرام وجروبات مخصصة لكل منطقة الضاحية و الريسة و البلد… وحتى الجهات الحكومية لها جروب منفصل.
والفكرة بسيطة وناجحة
المستهلك يحجز مقدماً يعرف الكمية والسعر ويستلم سمكاً طازجاً فريش فعلاً بمجرد حصاده.
أما المركز فيوفّر جهداً ووقتاً ويملك بيانات دقيقة عن طلبات الناس، ويضمن عدم فقدان أي جزء من الإنتاج.
وعن رأيه في محلات الأسماك التي بدأت تعتمد الأسلوب نفسه ويطلق أصحابها عبارات دعائية جذابة يؤكد الخبير أنها ظاهرة صحية تماماً.
فالناس – كما يرى – بدأت تسعى إلى الرزق بذكاء، مستخدمة التكنولوجيا لجذب الزبائن خاصة أن السيدات أصبحن جمهوراً مهماً لهذه الفيديوهات يشاهدن… ويشترين… ثم يصل السمك إلى باب البيت دليفري
ويضيف مبتسماً أن تجربة “السمك الدليفري” ليست جديدة تماماً فقد جُرّبت في شمال سيناء قبل إنشاء المركز. ففي أحد المشاريع التنموية كان الزبون يحجز السمك الطازج من عند د. صلاح صقر ثم يرسله إلى مطعم الحاج عزيز الغالي ليُطهى مقلياً أو مشوياً مع السلطات قبل أن يعود إليه ساخناً وطعمه “مضمون عشرة على عشرة”.
ويصف الخبير تلك التجربة بأنها كانت من أجمل التجارب التي رسّخت فكرة الثقة بين البائع والمستهلك.
وبين فيديوهات الطهاة وصيّادي العريش وبين التجارب العلمية المنظمة يبدو أن شمال سيناء رسمت طريقاً جديداً في علاقة الناس بالسمك…

ظاهرة تسويق الأسماك عبر السوشيال ميديا… تجارة مربحة لكنها مزدوجة الحد
يرى السيد عزيز الغالي خبير التغذية وصاحب مطاعم وعضو سابق في الغرفة التجارية أن انتشار بيع الأسماك والمنتجات الغذائية عبر السوشيال ميديا أصبح سلاحاً ذا حدين فالعالم كله يتجه اليوم إلى السوق الافتراضي الذي بات له تجاره وزبائنه ويوفر سهولة وراحة في الشراء.
لكن الجانب الآخر يحمل سلبيات واضحة أبرزها التضليل في العرض. فكثير من الباعة يلتقطون صوراً احترافية لمنتج عالي الجودة، بينما يتفاجأ الزبون عند الاستلام بأن البضاعة أقل بكثير مما ظهر في الإعلان.
ويضرب مثالاً بباعة السمك الذين يعرضون صور “رأس البوكس الكبيرة”، ثم يسلّمون الزبون أسماكاً أصغر حجماً.
ويمتد انتقاده إلى أسواق الخضار والفاكهة.حيث يغيب الإفصاح عن الأسعار. فبعض الباعة يضعون سعراً على جزء محدود من المعروض بينما تُترك السلع الأغلى بلا تسعيرة ما يربك المستهلك ويدفعه للسؤال في كل صنف، وهو أمر يراه مرهقاً ومخالفاً لحق المستهلك في معرفة السعر والمقارنة بين التاجرين.
أما في تجارة الأسماك فيشير إلى أن انتشار نقاط بيع خارج سوق الجملة – في البيوت أو في شوارع فرعية – تسبب في ضرب السوق المركزي الذي يلتزم تجاره بالضرائب والرسوم وشروط الصحة والبيئة.
ويؤكد أن هذه الممارسات المخالِفة للقانون ساهمت في تراجع حركة البيع داخل السوق الرسمي ما يجعل “سوق السمك يموت ببطء” على حد وصفه.
ونختتم لنقول
يبقى التسوق عبر الإنترنت أداة حديثة وملائمة لتوفير الوقت والجهد، لكنه ليس دائمًا الحل الأمثل خاصة عندما يتعلق الأمر بالمنتجات الحساسة كالأسماك والمواد الغذائية الطازجة. التجربة الواقعية تظهر أن الاعتماد على الصور والوصفات الإلكترونية لا يضمن الجودة ولا يحمي المستهلك من المخاطر المالية أو الصحية. وفي خضم ارتفاع الأسعار ومحاولات ترشيد الاستهلاك يظل الحل الأكثر أمانًا هو التحقق الشخصي من المنتجات والاختيار المباشر، لتظل قرارات الشراء واعية ومدروسة وتخدم مصلحة الأسرة في النهاية.