مقالات

ليلة غاب فيها العم خميس.. بقلم الدكتور / يحيي مصطفى البلك

أعادني الصديق والأديب الدكتور صلاح سلام لذكريات شتاء العريش القارس والقاسي قبل ٦٧ .. كان الشتاء يبدأ مبكرآ من أوائل شهر نوفمبر وتتساقط الأمطار والثلوج أحيانآ بشدة حتى نهاية فصل الشتاء في أواخر شهر مارس وكانت بيوتنا الطينية وأسقفها المصنوعة من ألواح الخشب أو من جريد النخل تكسوها طبقة طينية لاتستحمل تلك الأمطار الغزيرة ويبدأ خرير المياه من الأسقف وقد يصل لحد أنهيار السقف والجدران .. كنا نستعد مبكرآ من شهر سبتمبر لفصل الشتاء بوضع بله علي الأسطح تقينا وتحمي أسطح منازلنا من غزارة الأمطار .. كان أخي أحمد رحمة الله عليه هو الذي يتولي هذه المهمه فيذهب للعم خميس الذي يأتي ليعاين المنزل ويحدد كمية الطين والتبن اللازمه لعمل البلة .. في عصر اليوم السابق لوضع البله يأتي العم خميس ويقوم بعمل البله على رصيف الشارع ويتركها لتتخمر وفي فجر اليوم التالي يأتي مع معاونيه ليرفع البله من الشارع ويفرشها علي سطح المنزل بطريق تسمح بتدفق المياه من الأسطح للمزاريب ومن ثم للشارع أو لفناء المنزل .. في أحد السنين أواخر الخمسينات لم نضع بله علي سطح المنزل اعتقادآ منا أن بلة العام الماضي كانت كافيه ولكن لسوء الحظ جاء هذا الشتاء مطيرآ وفي أحد الليالي بدأ سطح أحدي الغرف في الخرير ورويدآ أزداد تدفق المياه وأنهار جزء من جدار الغرفه ..

لم نجد بدآ من الأستعانة بجارنا المرحوم إسماعيل فراج الذي قفز من الطقه التي تربط مطبخنا بصالة منزلهم والطقة هي فتحة صغيرة في الجدار تكفي لدخول انسان من خلالها وكنا قد فتحنا هذه الطقه خلال العدوان الثلاثي حتي نسهر معآ أثناء ساعات منع التجول التي تبدأ من المغرب وحتي صباح اليوم التالي ..

قفز العم إسماعيل من الطقه وأحضر سلم وأخذ بمساعدتنا في وضع بعض الحجارة وقطع الطوب في فتحة السقف حتي تم غلقها بعد مجهود جبار .. بعد أن نشف السطح كان لابد من العودة للعم خمييس لوضع بلة جديدة وأصلاح الجدار المنهار .. رحم الله العم أسماعيل فراج والعم خميس وكل رجال الزمن الحميل.