
استوديو التحليل.. المشهد الانتخابي بين مرحلتين: قراءة في الدروس والتوقعات
بقلم / د. سهام عزالدين جبريل
تبدأ خلال ساعات المرحلة الثانية من انتخابات مجلس النواب 2025، بينما لا تزال تداعيات المرحلة الأولى تلقي بظلالها على المشهد الانتخابي، بعدما شهدت تلك المرحلة حالة غير مسبوقة من الجدل، رصد خلالها الشارع والمراقبون عددًا من التجاوزات والاضطرابات التنظيمية، ما دفع رئيس الجمهورية إلى إصدار تدوينته الحاسمة التي أعادت ضبط البوصلة، وأكدت على محددات لا لبس فيها تتضمن :
الفحص الشامل، الشفافية الكاملة، والرقابة الفاعلة على إرادة الناخبين… حتى لو أدى الأمر إلى الإلغاء الكلي أو الجزئي للانتخابات.
وقد جاءت قرارات الهيئة الوطنية للانتخابات لاحقًا بإلغاء العملية الانتخابية في 19 دائرة انعكاسًا مباشرًا لروح تلك التوجيهات، ورسالة واضحة بأن الدولة تتعامل بجدية مع كل ما يتعلق بنزاهة العملية الانتخابية.
*دروس المرحلة الأولى: ما الذي كشفه الواقع؟
أول ما تكشفه المرحلة الأولى هو أن المال السياسي ما زال يمثل عنصر ضغط خطيرًا على العملية الانتخابية، رغم انحسار مساحته مقارنة بسنوات سابقة. فقد ظهرت شكاوى متعددة حول محاولات للتأثير على الناخبين، وإن اختلفت حدّة تلك الاتهامات من محافظة إلى أخرى.
كما برزت حالة من عدم الرضا الشعبي في بعض الدوائر بشأن اختيارات القوائم، خاصة مع وجود مرشحين وافدين من محافظات أخرى، ما دفع شرائح واسعة لإعلان تعاطفها مع المرشحين المستقلين باعتبارهم أكثر قربًا من وجدان دوائرهم وأكثر تمثيلًا لها.
ويعزز هذا الاتجاه الأرقام الرسمية؛ إذ تشهد المرحلة الثانية ارتفاع عدد المستقلين إلى 1042 مرشحًا مقابل 274 حزبيًا، بإجمالي 1316 مرشحًا، وهو رقم يطرح دلالة مهمة: المزاج العام يميل إلى إعطاء فرصة لمن هم خارج الحسابات الحزبية التقليدية.
على جانب آخر، كشفت المرحلة الأولى عن ثغرات تنظيمية في بعض اللجان، وعن عجز بعض الأحزاب عن القيام بدورها الطبيعي في الحشد والتواصل المباشر مع الناخبين، وهي ثغرات تفرض مراجعات داخلية صارمة على المؤسسة الحزبية إذا أرادت الحفاظ على دورها في الحياة السياسية.
*توجيهات الرئيس… وتغيّر قواعد اللعبة
التدوينة الرئاسية جاءت لتعيد ترتيب المشهد برمّته؛ فهي لم تكتفِ بالإشارة إلى “الأحداث”، بل ربطت بين النزاهة والتدخل الحاسم، مؤكدة أن إرادة المواطن هي المعيار الأول والأخير.
هذا التدخل ليس فقط تصحيحًا لمسار مرحلة، بل هو رسالة بأن ما قبل التدوينة ليس كما بعدها، وأن المرحلة الثانية ستكون تحت مجهر رقابي وتشريعي وإعلامي غير مسبوق.
*وبذلك، يصبح السؤال الحقيقي:
هل نحن أمام مشهد انتخابي جديد تُعلى فيه قيمة الاختيار الحر بشكل فعلي؟
المؤشرات الأولية تقول: نعم… على الأقل على مستوى الإرادة السياسية والرقابة القانونية.
—
*التوقعات للمرحلة الثانية:
بين ضبط المال السياسي وإقبال الناخبين
ورغم وضوح الصورة القانونية—خاصة نصوص قانون مباشرة الحقوق السياسية ومدونة السلوك الانتخابي—فإن التحدي الأكبر يبقى في تطبيق تلك النصوص على الأرض، لا سيما فيما يتعلق باستخدام المال السياسي.
فالعقوبات الحالية، رغم وضوحها، تحتاج إلى إعادة نظر من حيث الصرامة والتشديد، لكن يبقى تطبيق النصوص المتاحة محور الاختبار في الساعات المقبلة:
هل ستشهد المرحلة الثانية إحالة علنية لمخالفين إلى النيابة؟
هل ستلتزم الأحزاب بدورها في الحشد المنظم؟
وهل سيذهب الناخب إلى لجنته بعيدًا عن تأثيرات المصالح والمغريات؟
من وجهة نظرى أنه من الأرجح أن نسب التصويت ستتأثر في بعض المناطق التي شهدت اعتراضات على تمثيل القوائم، وأن ثقل المستقلين سيظهر بوضوح أكبر في النتائج النهائية، بحكم قربهم من الدوائر وشبكاتهم الاجتماعية.
*خلاصة المشهد
المرحلة الثانية ليست مجرد امتداد للمرحلة الأولى…
بل اختبار حقيقي لنزاهة العملية الانتخابية وقدرة الدولة على فرض سيادة القانون، واختبار موازٍ لوعي المواطن ومسؤوليته تجاه صوته.
سنرى خلال الساعات المقبلة ما إذا كانت الإجراءات المشددة ستعيد الثقة الكاملة للمشهد…
وما إذا كان الناخب سيمنح العملية الانتخابية الفرصة التي تستحقها؟؟؟
وبعد انتهاء التصويت…
سيكون لنا تحليل آخر وقراءة أعمق لما تحقق وما لم يتحقق.
—
خالص تحياتى
❤️ ❤️
د/ سهام عزالدين جبريل
دكتوراه في الإعلام السياسي والعلاقات الدولية
-زمالة الأكاديمية العسكرية للدراسات الاستراتيجية العليا – عضو البرلمان المصري سابقًا