مقالات

طاقة نور.. “بين جرح العبارة وبلسم الاعتذار” بقلم أ.د. زكريا محمد هيبة

بينما كنّا في خضمّ إحدى الفعاليّات، قال أحد الأساتذة للعامل: “تَعالَ هنا لِتُخدِّم علينا”. كانت الكلمة قاسية في وقعها، وكدتُ أتدخّل لتلطيف أثرها، لكنني تراجعت؛ إذ خشيت أن يكون الحاضرون لم ينتبهوا إليها، فيكون تنبيهي إياهم سببًا في إبرازها. وخشيت كذلك أن يكون الزميل العامل قد شعر بوقعها، فيضاعف تدخّلي من ألمه.

لكن العامل جاءني بعد يومين، وعلى وجهه أثرٌ واضح لما سمعه. فجلست أواسيه وأهوّن عليه، مؤكّدًا أن الأستاذ لم يقصد معناها الحرفي، وإنما أراد بها معنى الضيافة والخدمة المتبادلة، وأن تعاملاته الطيبة مع الجميع خير شاهد على ذلك.

ثم حدّثتُ الأستاذ بالأمر، فقال من فوره: “لقد انتبهت لذلك لحظتها”، وبادر إلى الاعتذار للعامل اعتذارًا يليق بخلق الفرسان.

وفي اليوم التالي جاءني العامل مُشرق الوجه، يخبرني بما دار بينه وبين الأستاذ، وقد انشرح صدره وتطيّب خاطره. فقلت له: إننا -في نهاية الأمر – نخدم بعضنا بعضًا.

فالناسُ للناسِ من بدوٍ وحاضرةٍ
بعضٌ لبعضٍ وإن لم يشعروا خدمُ
ولكلٍّ منّا دوره الذي يعلو بقيمته وإخلاصه، لا بمسماه الوظيفي؛ فعميدٌ يفرّط في مهامه أدنى شأنًا من عاملٍ يؤدي عمله بإتقان وصدق.
ثم رويت له قصة أحد عمّال وكالة ناسا، الذي كان يقول بكل فخر -وفي قوله صدق -: “أنا شريك في صناعة رؤية الوكالة”. فقد كان يقوم بمهامه بعناية لأنها تُعين العلماء والباحثين على أداء واجباتهم على أكمل وجه، فصار جزءًا من الإنجاز لا مجرد عامل خلف الستار.

وهكذا تعلّمنا أن للكلمة وقعًا يمتد أبعد مما نظن، وأن جبر الخواطر رفعةٌ لا يدركها إلا النبلاء.