مقالات

الغلط عندي.. بقلم / عادل رستم

قد تبدو كلمة صغيرة لا تتجاوز حروفها المعدودة لكنها تحمل من القوة ما يكفي لإعادة ترميم ما تهدم وفتح نوافذ جديدة في علاقات كادت أن تغلق إلى الأبد كلمة الغلط عندي ليست مجرد اعتراف بل شجاعة إنسانية تضع الحقيقة فوق الكبر والود فوق العناد وقيمة الإنسان فوق نزوات لا تبني ولا تصلح كم من علاقات فقدناها لأن أحدهم تردد في قولها أو خشي أن يفسر اعترافه ضعفًا بينما الضعف الحقيقي هو الإصرار على الخطأ فهذه الكلمة رغم بساطتها تعيدنا إلى أصل الأشياء إلى الإنسانية التي نتشاركها وإلى النقاء الذي تبنى عليه الروابط الصادقة فهي تختصر المسافة وتعيد ترتيب المشاعر وتعيدك إلى مكانك الطبيعي في قلب من تحب.

وفي لحظة الاعتراف نكون في أصدق حالاتنا نخلع الأقنعة ونتخلى عن أدوار المدافع أو المنتصر لنظهر كما نحن بشرٌ يخطئون ويتعلمون هذه النزاهة العاطفية هي التي تبني جسورًا من الثقة لا تهزها رياح الخلافات القادمة إنها تذكير للطرف الآخر بأنه أمام إنسانٍ يقدّره بما يكفي ليعطيه حق الاعتذار لا خصمٍ يهمه فقط الانتصار في الجدال.

تبدو قوة كلمة الغلط عندي في قدرتها على تهدئة النفوس وإعادة التواصل حتى بعد أصعب الخلافات فالاعتراف يفتح بابًا للتفاهم ويمنح الآخر إحساسًا عميقًا بالاحترام كما يعيد توجيه الحوار من دائرة الاتهام إلى دائرة الحل ويحول لحظة التوتر إلى فرصة لبدء مرحلة أكثر نضجًا وهدوءًا في العلاقة فجوهر العلاقات ليس خلوها من الأخطاء بل قدرتنا على إصلاح ما نتسبب فيه دون مراوغة أو تعال.

وهي بذلك تصنع معادلة جديدة للقوة فالقوة الحقيقية لا تكمن في الصوت الأعلى أو الإصرار على الرأي بل في المرونة العاطفية التي تسمح لك بالتراجع عندما تكتشف أن الحقيقة في الجانب الآخر إنها الشجاعة التي تدرك أن خسارة كبرياء لحظة رخيصة لا تقارن بثمن الحفاظ على قلب إنسان عزيز أو إنقاذ رابطة إنسانية ثمينة من الانهيار.

ومع مرور الوقت ندرك أن الكثير من المواقف التي كسرتنا كان يمكن أن تتحول إلى ذكريات عابرة لو بادر أحدنا بقول كلمة بسيطة لكنها صادقة فالغلط عندي ليست مجرد جملة بل موقف يختبر إنسانيتنا ويكشف نضجنا ويؤكد أن أقصر طريق لاستعادة القلوب هو الصدق وأن أعمق أشكال القوة هي أن نتجاوز كبرياء اللحظة لنحافظ على ما يستحق البقاء.

فلا تستهن أبدًا بقوة كلمة تخرج من القلب إنها المفتاح الذي يُطلق سراح المشاعر المكبوتة والمحراث الذي يقلب تربة الخلاف ليُعدها لبذر بذور جديدة من المحبة والتفاهم في النهاية ليست الغلط عندي انكسارًا للذات بل هي انتصارٌ لها على غرورها وارتقاءٌ بالإنسان إلى مستوى المسؤولية حيث تُبنى العلاقات ليس على أساس الكمال المستحيل بل على أساس الصدق والاحترام والرغبة الحقيقية في الاستمرار معًا.