
الثقة نافذة للقلوب.. وجسر للعقول بقلم عادل رستم
الثقة هي الجسر الذي يربط بين الإنسان ونفسه وبين الإنسان ومن حوله وهي قيمة لا تولد فجأة ولا تُمنح بلا سبب بل تُبنى عبر مواقف وتجارب ووقت طويل يختبر فيه كل طرف صدق الآخر ووضوحه وقدرته على أن يكون عند الكلمة التي يقولها فالثقة ليست شعورًا عابرًا بل هي التزام داخلي بأن يكون الإنسان ثابتًا على مبادئه مهما تبدلت الظروف.
وعندما نفقد الثقة في أحد لا يكون السبب حدثًا واحدًا بل تراكمات صغيرة تهز هذا الجسر إلى أن يصبح عبوره مؤلمًا لذلك فإن بناء الثقة يحتاج إلى صدق متواصل واستقامة في السلوك ومطابقة بين القول والفعل بينما هدمها قد يحدث في لحظة واحدة ولهذا يقال إن الثقة أثمن من الحب لأنها لا تولد من العاطفة وحدها بل من التجربة والاختبار والمواقف الحقيقية.
أما الثقة بالنفس فهي الأصل الذي يسبق كل العلاقات وهي التي تجعل الإنسان قادرًا على اتخاذ قراراته دون خوف من رأي الآخرين وقادرًا على الوقوف بعد كل سقوط لأن من يثق في نفسه يعرف قيمته دون أن ينتظر من يؤكدها له ويعرف طريقه حتى لو ضل الجميع عنه فالثقة بالنفس ليست غرورًا بل وعي صادق بأن الإنسان قادر على التعلم وعلى تحسين ذاته وعلى النهوض كلما تعثر.
وفي حياتنا اليومية تصبح الثقة معيارًا لجودة العلاقات فإذا وُجدت سهل الكلام وهدأت النفوس وانتقل الاحترام من شكل إلى معنى أما إذا غابت صار كل شيء قابلًا للشك وكل كلمة معرضة للتأويل وصار الصمت أحيانًا أصدق من أي حديث ولهذا فإن الحفاظ على الثقة مسئولية مشتركة تحتاج إلى وضوح وإنصاف وصبر وإلى قدرة على الاعتراف بالخطأ قبل الدفاع عنه.
وفي النهاية تبقى الثقة أعظم هدية يمنحها الإنسان لغيره وأعظم قوة يمنحها لنفسه فمن استطاع أن يحافظ عليها عاش قلبه مطمئنًا وعاشت علاقاته مستقرة ومن فقدها عاش في دوائر لا تنتهي من القلق والشك ولذلك فإن بناء الثقة يبدأ من الداخل ويكبر مع الوقت ويتجدد مع كل موقف يثبت أن الإنسان قادر على أن يكون صادقًا مع نفسه قبل أن يكون صادقًا مع العالم.