مقالات

استوديو التحليل ظاهرة العنف.. بين الواقع والفضاء الرقمي

قراءة تحليلية في حملة الـ 16 يوم لمناهضة العنف ضد النساء

بقلم/ د. سهام عزالدين جبريل

تأتي حملة الـ 16 يوم لمناهضة العنف ضد النساء كل عام لتعيد طرح قضية لا تنفصل عن العدالة والكرامة الإنسانية. فعلى الرغم من التطور التشريعي والاجتماعي، لا تزال النساء يتعرضن لأنماط متعددة من العنف، بعضها قديم متجذر، وبعضها جديد ولد مع التحول الرقمي. وفي ظل التحولات التي يشهدها المجتمع المصري، يبقى هذا الملف أحد أهم محاور الحماية الاجتماعية والتنمية

*لماذا حملة الـ 16 يوم؟ ولماذا هذا التاريخ؟

أُطلقت الحملة لأول مرة عام 1991 على يد مركز القيادة العالمية للمرأة، وتم اختيار الفترة ما بين:

25 نوفمبر: اليوم الدولي للقضاء على العنف ضد المرأة، تخليدًا لاغتيال الأخوات “ميرابال” اللواتي قُتلن بسبب نضالهن ضد نظام ديكتاتوري.
كما ن خلال هذه الفتره ياتى الاحتفال بكل من :
3 ديسمبر اليوم العالمى للاعاقة
10 ديسمبر: اليوم العالمي لحقوق الإنسان.

وهذه الفترة ترمز إلى وحدة قضايا حقوق الإنسان وحقوق النساء، وإلى أن العنف ضد المرأة ليس قضية فردية، بل قضية مجتمعية تتعلق بالعدالة والتمثيل والحق في المشاركة والتواجد الاجتماعى والإنسانى.

أولًا: العنف التقليدي… ما زال حاضراً

رغم كل التقدم، لا تزال النساء يتعرضن لعدد من أشكال العنف التقليدية:

1. العنف الأسري

سواء من خلال الإيذاء البدني، أو الإهانة، أو السيطرة الاقتصادية، أو الزواج المبكر، أو الحرمان من التعليم وهي ممارسات تُقيّد النساء داخل دائرة صمت اجتماعي.

2. العنف الاقتصادي

من حرمان المرأة من الميراث، إلى الاستيلاء على عائد عملها، أو منعها من فرص الترقي في العمل.

العنف المجتمعي والإقصاء السياسي… عنف غير مرئي لكنه مؤثر

لا يقتصر العنف على المظاهر المباشرة، بل يمتد إلى عنف مجتمعي غير مُعلن يظهر في التهميش والإقصاء السياسي للنساء.
فعلى الرغم من الجهود الرسمية لتعزيز المشاركة، ما زالت المرأة تواجه:

عوائق في الترشح والمنافسة السياسية

حملات تشكيك بقدرتها وكفاءتها

مساحة إعلامية أقل في الخطاب السياسي العام

أدوار هامشية داخل بعض الكيانات والأحزاب

هذا النوع من العنف ــ القائم على التهميش ــ يمثل تهديدًا حقيقيًا لأنه يحجب أصوات النساء عن صناعة القرار، ويحرم المجتمع من نصف طاقته البشرية.

ثانيًا: العنف الإلكتروني… الوجه الجديد للعنف ضد النساء

مع التحول الرقمي، ظهرت أشكال جديدة من الاعتداء، بعضها أكثر خطورة وتأثيرًا من العنف التقليدي:

1. الابتزاز الإلكتروني

باستخدام صور، رسائل، أو بيانات خاصة.

2. التزييف العميق (Deepfake)

وهو أخطر أشكال الاعتداء الرقمي الذي يستخدم الذكاء الاصطناعي في صناعة صور أو فيديوهات مفبركة للنساء.

3. الملاحقة الرقمية والتجسس

من خلال تتبع الحسابات واختراق الهواتف.

4. التنمر الإلكتروني

الذي يقود أحيانًا إلى صدمات نفسية وانسحاب من المجال العام.

5. كشف البيانات الشخصية (Doxxing)

مما يعرض النساء لتهديدات مباشرة خارج الإنترنت.

العنف الإلكتروني هو الحرب الجديدة ضد النساء، لأنه لا يقتصر على مكان، ولا يختفي بسهولة، ويعيد إنتاج نفسه عبر المنصات الرقمية.

ثالثًا: جهود الدولة المصرية في مواجهة العنف ضد النساء

اتخذت الدولة المصرية خلال السنوات الأخيرة خطوات واسعة ومنظمة لمواجهة جميع أشكال العنف، وعلى رأسها:

1. الاستراتيجية الوطنية لتمكين المرأة 2030

التي تشمل محاور الحماية، والتمكين، والتشريعات، وتغيير الثقافة المجتمعية، بإشراف المجلس القومي للمرأة.

2. قوانين وتشريعات رادعة
منها:

*قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات (2018) لمواجهة الابتزاز الرقمي والاختراق

*تغليظ عقوبات التحرش بما يشمل التحرش الإلكتروني

*تشديد عقوبات العنف الأسري والاعتداء على النساء

3. آليات حماية ومساندة

وحدات مكافحة العنف ضد المرأة بوزارة الداخلية

الخط الساخن 15115 لتلقي شكاوى العنف

*مراكز استضافة ودعم النساء المتعرضات للعنف

*مبادرات ميدانية وإعلامية للتوعية في المدارس والجامعات

4. تعزيز المشاركة السياسية

من خلال دعم ترشح النساء في المجالس النيابية والمحلية، وإطلاق برامج تدريبية لتمكينهن سياسيًا، في محاولة لتقليل فجوة الإقصاء السياسي.

رابعًا: لماذا التركيز على العنف الإلكتروني؟ لأنه:

*لا يعترف بالحدود

*يصعب محاصرته

*يستهدف النساء الأكثر حضورًا وتأثيرًا داخل المجتمع

*يؤثر على السمعة، والفرص، والصحة النفسية

*يُستخدم لإسكات النساء في المجال العام

*ويعد من أخطر التحديات التي تواجه الصحفيات، الإعلاميات، والناشطات، وصانعات المحتوى.

خامسًا: الطريق إلى المستقبل

1. تشريعات أكثر مرونة لملاحقة الجرائم الرقمية

خاصة المرتبطة بالذكاء الاصطناعي والتزييف العميق.

2. تربية إعلامية ورقمية

لتعليم الأجيال كيفية حماية أنفسهم في الفضاء الرقمي.

3. برامج دعم نفسي وقانوني موسّعة

حتى لا تعيش الضحية في عزلة أو صمت.

4. تغيير الثقافة المجتمعية

من ثقافة اللوم إلى ثقافة الحماية والدعم.

ختامًا

إن حملة الـ 16 يوم ليست مجرد إحياء لذكرى أو مناسبة دولية، بل إعلان عالمي بأن العنف ضد النساء لم يعد مقبولًا في أي شكل من أشكاله.
ومع التطور الهائل في التكنولوجيا، لم يعد الأمر يتعلق بحماية المرأة داخل نطاق الأسرة فقط، بل يتطلب حماية حضورها الرقمي، وصوتها العام، وحقها في المشاركة السياسية بلا خوف ولا تهميش.
حماية النساء اليوم هي حماية لمستقبل المجتمع واستقراره وقدرته على التقدم.

خالص تحياتى
د/ سهام عزالدين جبريل
دكتوراه في الإعلام السياسي والعلاقات الدولية
-زمالة الأكاديمية العسكرية للدراسات الاستراتيجية العليا – عضو البرلمان المصري سابقًا