
رصاصات على أعتاب البيت الأبيض
بقلم الدكتور: السيد مرسى الصعيدى
رحمان الله… يا له من اسم يشفُّ عن الرحمة، لكنه فى تلك اللحظة كان أشبه ببرميل بارود تم دحرجته عمداً فى قلب العاصمة الأمريكية، على بُعد خطوات من البيت الأبيض، حيث تتنصّب أعمدة السلطة وتُصنع القرارات كما تُصنع الفطائر: بسرعة، وبخلطة سرية لا يعرفها إلا الطهاة الكبار.
هناك، فى هذا الميدان الذى لا يليق إلا بالأساطير، أطلق الرجل صرخة انتقام مدوّية، صرخة يمكن أن يلتقطها القمر الصناعى «ناسا 14»، وتنقلها الرياح إلى أقاصى الأرض. صرخة تقول لكل من يرى ويسمع: “كفاية هزار… أنا جاى آخد حقى”.، والمسكين – أو هكذا يبدو – يحمل فى صدره غصّة بمقاس قارة كاملة. فهو يتوهم أن وكالة المخابرات المركزية استغلته صغيراً، وعصرت شبابه عصراً، ثم رمت به على الرصيف مثل علبة مياه غازية فاضية. وحين لم يستطع أن يطال الـ CIA نفسها –فالوكالة محصّنة تحصين السد العالى ومزودة بأبواب لا تفتح إلا بالبصمة والصوت ورقم الحذاء– قرر أن يصبّ غضبه فى الجنود المساكين من الحرس الوطني؛ هؤلاء الذين لم يعرفوا عنه شيئاً، وما خطر ببالهم أن الرجل الذى يمر بجوارهم قد قرر أن يصنع من رؤوسهم رسالة احتجاج.
وطبعاً، كالعادة، سارع الإعلام الأمريكى –الذى لا يضيع فرصة لصناعة فيلم أكشن– إلى تحويل رحمان الله إلى مزيج بين رامبو وباتمان، مع لمسة من الجنون العبقرى. أما المحللون الاستراتيجيون، فقد جلسوا باهتمام بالغ، وبربطات عنق تكاد تخنقهم، ليشرحوا أن الحادث «إنذار خطير»، وأنه «مؤشر على خلل بنيوى»، وأن الأمريكان يجب أن «يراجعوا أنفسهم»… وكلام كبير من ذلك الذى يقال عندما يتضارب الحزبان الجمهورى والديمقراطى .
والطريف –بل المضحك حد البكاء– أن الحكومة الأمريكية بعد الحادث عقدت مؤتمراً صحفياً لم يقل شيئاً، ولم يعترف بشيء، ولكنه حذّر من أشياء، وأكد على أشياء، وطمأن الشعب إلى أشياء… دون أن يحدد أياً من هذه الأشياء!، أمّا رحمان الله نفسه، فجل ما فعله أنه صرخ. صرخ صرخ تجعلنى- أقول يا ولدى… دا مش إرهاب، دا واحد قلبه اتحرق ومش لاقى مطافى وعايز يحرق اللى غرروا بيه وجعلوه آلة ضد اهلة وناسه .
وفى النهاية……تبقى القضية كما هى: رجل ظنّ أن الانتقام يعيد له ما سُرق منه، فخسر نفسه وخسر صوته، وتركنا نضحك بسخرية مرة على العالم الغربى كلما حاول أن يتظاهر بالعقل… فضحه الجنون.