مقالات

طاقة نور.. “قلوب أرهقها الانتظار” بقلم أ.د. زكريا محمد هيبة

حين يبلغ الوالدان سنّ الكبر، يأخذ الضعف من روحيهما ما يأخذ، فتغلبهما الكلمة القاسية، وتحييهما كلمة لطيفة تبعث الدفء في قلبيهما. يجرحهما الجحود حتى آخر العمر، فيفارق أحدهما الدنيا وفي حلقه غصّة السنوات الثقيلة.

يعيش كبار السن على ذاكرتهم؛ تارة تبهجهم لحظة جميلة عاشت في الماضي، وتارة تؤلمهم حكاية ما زال أثرها في القلب.

تخذلني دموعي كلما رأيت شيخًا كبيرًا يجرّ خطاه بجسد واهن، ينتظر دوره عند الطبيب بلا سند ولا مرافِق. أسأل نفسي حينها: أين أولاده؟ أين من تعب لأجلهم يومًا؟

ويتعكّر صفوي عندما أرى امرأة عجوزًا تفترش ما تبقّى من بضاعتها على الرصيف، بينما كان الأجدر أن تكون في هذا العمر تحت لحافها الدافئ، لا تحت وطأة برد الشوارع وصقيعها.

وقرأت مرة عن والد يناشد ابنه البعيد في رسالة تُظهر من التوجّع ما يكفي لأن يُسمع النداء دون صوت. كان ينتظر منه اتصالًا واحدًا فقط ، خيطًا رفيعًا يبقيه على قيد الحياة… وعلى قيد الأمل.

فلماذا ينشغل الأبناء بأسرهم الصغيرة عن آبائهم وأمهاتهم؟
أولئك الذين ما بخلوا يومًا، وبذلوا العمر كله ليصنعوا أبناءً مذكورين، مكرّمين… فلما صار الأبناء شيئًا -مذكورًا كان أو غير مذكور- انشغلوا أو تناسوا أو جحدوا؟

ما يزال الإنسان نبيلاً ما دام بردًا وسلامًا على والديه.

فيا كل ابنٍ وأبواه ما زالا على قيد الحياة:
أمامك باب مفتوح إلى الجنة… فاغتنمه.

اتصال رقيق قادر على أن يُنعش أرواحهم، وجلسة شاي قصيرة قد تعني لهم عمرًا كاملًا، ومبلغ يسير من المال يُدخل على قلوبهم فرحًا وبركة.
لا تبخل عليهم برعايتهم الصحية، ولا بوقتٍ يسير يؤنس وحدتهم، ولا ببهجة صغيرة تجبر خاطرهم.

ليس في الدنيا مثل الأب والأم.
أكرِمْهما يكرمْك الله، وارفق بهما يرفقْ الله بك، ويُفيض عليك من فضله قبلًا وبعدًا.