
كلمة العدد 1446.. “الإخوان كارت تركيا المحروق”
يكتبها د. محمود قطامش
لم تتخلي تركيا عن طموحها بعد أن عززت موقعها كقوة أقليمية، معتبرة، تطمح أن تعيد أمجادها العثمانية.
وقد دفعت تركيا أثمانا باهظة لطموحاتها الإمبراطورية، تحولت فيها سياستها من (صفر مشاكل) إلى (صفر أصدقاء) معزولة اقتصاديًا ومتورطة في صراعات سياسية متعددة الجبهات، لكن البراجماتية التركية أنقذت الموقف ودعت إلى مراجعات استراتيجية شاملة، حيث لم تعد تبحث عن خصوم لتقارعهم، بل تبحث عن أطراف تتوسط بينهم، ومن هذا الباب جاءت سياسة التخلي عن الإعلام الإخواني، وطرد الرموز الإخوانية من أراضيها وكان آخر مظاهرة اغلاق قناة بلقيس التابعة للناشطة اليمنية (توكل كرمان) لتؤكد أن تركيا لم تعد ترى في الإسلام السياسي إداة نفوذ، بل عبئ يتعارض مع توجهاتها للمصالحة والانفتاح …….
أن اغلاق القناة ما هو إلا حلقة في سلسلة متدرجة ومتدحرجة تهدف إلى تقليص المنابر الأيديولوجية، مقابل تعزيز علاقاتها الاقتصادية والاستراتيجية مع مصر ودول الخليج والعراق، ربما انتهجت تركيا فن الوساطة بشكل متفرد فهي تتوسط في أغلب الصراعات الدولية بين أوكرانيا وروسيا وبين دول القرن الإفريقي وغيرها، أدركت فيها تركيا أن الوساطة سلعة نادرة ومن يمتلك القدرة على الوساطة، يكتسب قوة ناعمة تفوق ما تمنحه له الأسلحة الثقيلة ٠٠٠
تركيا على علاقة اقتصادية بروسيا وتبيع الطائرات المسيرة إلى أوكرانيا وهذا يبرز القدرة الماهرة لإدارة التناقضات وتبني سياسة (الكل رابح) التي أصبحت الآن تدرس في كبرى المعاهد الدبلوماسية الدولية، لقد تخلت تركيا عن سياسة تصدير الإخوان كأداة نفوذ واكتشفت أن استثمارات الخليج والسياحة المصرية والتجارة العراقية، أكثر فائدة من الخطابات الأيديولوجية
هذا التحول الاستراتيجي يعطينا الدرس في عالمنا العربي لتبني نهج مماثل والإنتباه إلى الآثار خلف الوساطات المعقودة والمقترحة والمنطقة الآن تدخل في مرحلة جديدة من إعادة الترتيب الجيوسياسي.
لقد أدركت تركيا أخيرًا، أن التنافس مع قوى أقليمية محلية مثل مصر والسعودية والإمارات وإيران، يفرض قيودًا على قدراتها التوسعية وأحلامها في إعادة الإمبراطورية.
لقد أدركت أن القوى الناعمة التي تنتجها الوساطات أفضل من القوة الصلبة التي تنتجها القدرة العسكرية وأدركت أيضا أن القوة الاقتصادية تسبق السياسية والقوة المادية والعسكرية وأن الفرص الناتجة الآن مفتوحة لإقامة شراكات استراتيجية بين العالم العربي وتركيا تقوم على اساس الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة.
أن القوة في القرن الحادي والعشرين ليست في المواجهة المباشرة، بل في القدرة على التأثير، حيث البرجماتية تغلب الأيديولوجية والاقتصاد هو اساس القوة الاستراتيجية المادية وأن القوة الناعمة أفضل من القوى الصلبة في بناء النفوذ الأقليمي.
ولقد آن الآوان لدول عربية تتبنى نهج تركيا السابق من دعم للإسلام السياسي، أن تعيد حساباتها بما يخدم مصالحها والتعايش السلمي مع دول المنطقة.
ولكم تحياتي
محمود صلاح قطامش
[email protected]
مصر تلاتين