مقالات

لا يستقيم الظل والعود أعوج

بقلم محمد حمدي سعد / شمال سيناء

مسؤولية الأب في تنشئة الأبناء وأثر القدوة في صلاح المجتمع ، في حكمة بالغة تجسد العلاقة الجوهرية بين الأصل والفرع، يقال: “لا يستقيم الظل والعود أعوج”، وهي صورة تعكس ببلاغة تأثير الأب -كأصل- على تشكيل شخصية وسلوك أبنائه -كظل-، فكما أن استقامة الظل مرهونة باستقامة العود، فإن صلاح الأبناء واستقامتهم مرهون بما يغرسه الأب فيهم من قيم ومبادئ. وهذا ما أشار إليه الشاعر العربي قديمًا بقوله: ينشأ ناشئ الفتيان منّا على ما كان عوّده أبوه فالأب هنا ليس مجرد مُعيل، بل هو المعلم الأول والقدوة الأهم في حياة أبنائه، وحسن تأديبه لهم ينعكس إيجاباً على كيان الأسرة والمجتمع بأكمله، ف دور الأب كقدوة في الأسرة حيث شكل الأب النموذج الأول الذي يقلده الأبناء في مراحل حياتهم المبكرة، فهم يراقبون سلوكه وتصرفاته في مختلف المواقف، في البيت ، وخارجه ، فالأب الذي يتسم بالصدق في تعاملاته، والرحمة في معاملته، والعدل في قراراته، والاحترام في حواراته، يغرس هذه الفضائل في نفوس أبنائه دون حاجة إلى وعظ مطول، ولا شك أن الأبناء يتعلمون من أفعال الأب أكثر مما يتعلمون من أقواله.

وهذه القدوة لا تقتصر على الأخلاقيات العامة فحسب، بل تمتد إلى القيم الدينية والاجتماعية. صلاة الأب مع أبنائه، قراءته معهم، تعاونه في شؤون المنزل، حرصه على التواصل مع الأقارب، تعامله اللطيف مع زوجته واحترامه لها – كلها سلوكيات تشكل وعي الأبناء الذكور والإناث على حد سواء، وتحدد صورتهم عن الرجولة الحقيقية وعن العلاقات الأسرية السليمة.

والمسؤولية هنا ليست في أن يكون الأب مثاليًا خاليًا من الأخطاء، بل في أن يكون صادقًا مع نفسه وأبنائه، معترفًا بخطئه حين يقع فيه، ساعيًا للإصلاح.

فالقدوة الحقيقية تكمن في الاستقامة والجهد الدؤوب نحو التحسن، لا في الكمال المستحيل.

أثر قدوة الأب في صلاح المجتمع ، الأسرة هي الخلية الأساسية في بناء المجتمع، وصلاحها يفضي حتمًا إلى صلاح الكل. فعندما ينجح الأب في تأدية دوره التربوي، وينشئ جيلًا متسلحًا بالقيم، واثقًا من هويته، قادرًا على تمييز الصالح من الطالح، فإننا نحصل على مواطنين صالحين، يساهمون في بناء مجتمعهم بدلًا من أن يكونوا عبئًا عليه.

الأبناء الذين ينشأون في بيئة أسرية مستقيمة، يحملون معهم إلى المدارس والجامعات وأماكن العمل نفس القيم من التعاون والنزاهة والمسؤولية. هم الأقل عرضة للانحراف السلوكي أو الفكري، والأكثر قدرة على مقاومة ضغوط الأقران السلبية، والأكثر استعدادًا للإسهام الإيجابي في مجتمعهم.

كما أن البنات اللواتي ينشأن على احترام الذات، وفي كنف أب يعاملهن بالحب والتقدير، يصبحن زوجات وأمهات قادرات على بناء أسر سوية بدورهن، مما يحقق استمرارية الفضيلة عبر الأجيال.

وعلى النقيض، فإن تقصير الأب في دوره، أو تقديمه نموذجاً سيئاً في الكذب أو العنف أو التهرب من المسؤوليات، يخلق أفراداً مشوهي الشخصية، قد ينقلون نفس السلوكيات المعطوبة إلى المجتمع، فينتشر الظلم والفساد والتفكك. وهنا تتحقق الحكمة “لا يستقيم الظل والعود أعوج” في معناها السلبي.

فالمولى عز وجل ضرب المثل الأعلى في أن صلاح الأباء يستفيد منه الأبناء كثمرة يجنيها الأبناء فقال عز من قائل ( وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته كنز لهما وكان أبوهما صالحا فأراد ربك أن يبلغا أشدهما ويستخرجا كنزهما رحمة من ربك وما فعلته عن أمري) سورة الكهف
وعليه فإن مسؤولية الأب في التنشئة هي مسؤولية مصيرية، لا تقتصر على توفير الاحتياجات المادية، بل تمتد إلى البناء المعنوي والأخلاقي. فهي استثمار في الإنسان، الذي هو أغلى ما تملك الأمة. وقدوة الأب الصالحة هي أعظم هبة يمكن أن يمنحها لأبنائه، وأصدق إرث يمكن أن يتركه للمجتمع، فليكن كل أب حريصاً على أن يستقيم عوده، كي يستقيم ظله.

وليذكر دوماً أن ما يعوّده أبناءه اليوم، سيكون نهج حياة لهم غداً، وسلوك مجتمع في المستقبل. فالصلاح يبدأ من البيت، ومن قلب الأسرة، حيث يلعب الأب الدور المحوري في تلك المعادلة الإنسانية السامية.