
كتب – محمد حمدي سعد – شمال سيناء
في السنوات الأخيرة، شهدت الساحة الدرامية المصرية تحولًا ملحوظًا في مضامين الأعمال التلفزيونية، خاصة في فن الكوميديا الذي كان يمثل مرآة للواقع الاجتماعي.
تحولت العديد من الأعمال من تصوير الحياة الأسرية بتفاصيلها الواقعية إلى تقديم محتوى مليء بالإسفاف المتعمد، يركز على “الغوامض” وعلاقات الشك والغيرة المبالغ فيها، مما أثر سلبيًا على التماسك الأسري وساهم في تغيير التصورات المجتمعية للعلاقات الزوجية، حيث تحويل العلاقة الزوجية إلى مسرح للشك والصراع تقدم العديد من المسلسلات الكوميدية العلاقة بين الرجل والمرأة كمعركة دائمة، حيث تتحول الحياة الزوجية إلى سلسلة من المؤامرات وألغام سلوكية والخداع المتبادل.
يتم تصوير الثقة بين الزوجين كشيء نادر أو حتى ساذج، بينما يقدم الخيانة والشك كأمر طبيعي وشبه متوقع. هذا التركيز المتعمد على الجوانب السلبية للعلاقات يزرع بذور الشك في عقول المشاهدين، خاصة أن هذه الأعمال تقدم في إطار كوميدي يخفف من حدة المضمون لكنه يجعله أكثر قابلية للاستيعاب والتطبيع، كما أن الإسفاف المتعمد وتقويض قيم الأسرة لم يعد الإسفاف في الدراما الكوميدية مقصورًا على الحوارات السطحية، بل امتد إلى قلب العلاقات الأسرية. تحولت الصراعات الأسرية إلى مادة للسخرية، وأصبحت المشاكل الزوجية مجرد “مواقف كوميدية” يجب الضحك عليها دون التفكير في عواقبها الواقعية.
هذا التبسيط المخل للعلاقات المعقدة يقدم حلًا وهميًا للمشكلات الحقيقية، حيث يظهر حيث يعتبر آليات حل النزاعات الزوجية، بينما ليس هناك تأكيدًا دامغًا على الارتباط بارتفاع نسب الطلاق حيث يعتبر ارتباطًا غير مباشر لكنه حقيقي بينما لا يمكن القول إن الدراما هي السبب المباشر لارتفاع نسب الطلاق في مصر، إلا أن الدراسات الاجتماعية تشير إلى تأثير وسائل الإعلام في تشكيل التوقعات والسلوكيات، حيث تقدم الدراما صورة مشوهة عن العلاقات الزوجية حيث نجد:
· تبالغ في تصوير الخلافات وتقدمها كقاعدة وليس استثناء .
· تقلل من قيمة الحوار والتفاهم كأساس للحياة الزوجية
· تقدم الحلول السريعة والسطحية للمشكلات المعقدة
· تعزز الصور النمطية السلبية عن الرجل والمرأة هذه الصور تساهم في خلق توقعات غير واقعية لدى الأزواج الشباب، وتقلل من صبرهم على تحمل مسؤوليات الحياة الزوجية الحقيقية التي تختلف جذريًا عن العالم الدرامي المبسط، إضافة إلى أن الطرق والأساليب الدرامية المؤثرة والتي تعتمد هذه الأعمال في تشكيلها على عدة تقنيات لتعزيز تأثيرها السلبي ومن ذلك:
1 – التكرار: تقديم نفس المواقف والنماذج بشكل متكرر عبر مواسم متتالية
2 – التطبيع: تقديم السلوكيات السلبية كأمر طبيعي من خلال إضفاء الطابع الكوميدي عليها
3 – التضخيم: المبالغة في ردود الأفعال والعواطف لخلق مواقف درامية
4 – التركيز الانتقائي: إبراز الجوانب السلبية للعلاقات وإغفال النماذج الإيجابية
نهاية ، تتحمل الدراما المصرية، كأحد أهم وسائل التشكيل الثقافي، مسؤولية أخلاقية تجاه المجتمع الذي تقدم له محتواها. بدلًا من الاستسهال والإسفاف، يمكن للكوميديا أن تقدم محتوى ذكياً يعالج المشكلات الحقيقية للأسرة المصرية دون تقويض قيمها الأساسية. هناك حاجة ماسة إلى الوقوف على :
· مراجعة نقدية للمحتوى الدرامي من قبل مؤسسات المجتمع المدني
· تشجيع الكتاب على تقديم أعمال تعكس التحديات الحقيقية للأسرة المصرية بحلول واقعية
· زيادة الوعي النقدي لدى المشاهد لتمييز المحتوى الهادف عن التافه
· إبراز النماذج الإيجابية للعلاقات الأسرية في الوسائل الإعلامية المختلفة
وعليه فإن الدراما القادرة على التوازن بين الكوميديا والعمق الاجتماعي هي التي ستترك أثرًا إيجابيًا يدعم تماسك الأسرة المصرية في مواجهة التحديات الحقيقية، بعيداً عن الصور النمطية والإسفاف الذي يقدم وهم الحياة بدلًا من جوهرها.