مقالات

حين يصبح الابتلاء طريقًا للفهم واليقين.. بقلم عادل رستم

الصبر عند الابتلاء ليس حالة عابرة ولا رد فعل مؤقت بل هو موقف إيماني عميق يكشف جوهر الإنسان في أوقات الشدة فحين تضيق السبل وتتشابك الأسباب لا يبقى للعبد إلا الصبر بابا يفتح له الطمأنينة ويمنحه القدرة على الاستمرار.

والابتلاء لا يقتصر على مرض يصيب الجسد أو نقص في المال كما يظن البعض بل تتعدد صور الابتلاء وتختلف أشكاله فقد يكون في فقد عزيز أو خذلان قريب أو حيرة قرار أو ثقل مسؤولية أو صراع داخلي لا يراه أحد غير صاحبه وكل ابتلاء يحمل في طياته رسالة خاصة لا يفهمها إلا من مر بها.

وتتنوع درجات الابتلاء بقدر طاقة الإنسان على التحمل وبقدر ما في قلبه من يقين فليس كل الناس يبتلون بذات الشدة ولا يطالبون بذات الصبر لأن الخالق أعلم بعباده وأدرى بما تحتمله نفوسهم وما تقوى عليه قلوبهم فلا يكلف نفسا إلا وسعها.

وهنا تتجلى حكمة الله وقدرته في اختبار عباده اختبارا يوقظ القلوب لا ليكسرها ويهذب الأرواح لا ليؤلمها فالصبر في جوهره ليس ضعفا ولا استسلاما بل قوة خفية وثبات داخلي وإيمان بأن وراء كل ألم حكمة ووراء كل ضيق فرجا.

ولا يقف فهم المؤمن للابتلاء عند حدود ما يصيبه وحده بل يتسع قلبه ليرى ابتلاءات غيره رسائل من الخالق وعظات صامتة تذكره بنعمة العافية وبضعف الإنسان وبحكمة التدبير الإلهي فلا يشمت ولا يقسو بل يتعظ ويراجع نفسه ويدعو بصدق لأن ما يراه في غيره قد يكون تذكيرا أو إنذارا أو رحمة مستترة تعلمه الشكر قبل أن يتبدل الحال.

ومن يصبر عند الابتلاء لا يخرج كما دخل بل يخرج أكثر نضجا وأعمق فهما وأقرب إلى الله فقد يكون الابتلاء بابا للتطهير أو سلما للارتقاء أو رسالة تنبيه تعيد ترتيب الحياة من جديد.

فطوبى لمن صبر واحتسب وجعل من الابتلاء طريقا للفهم واليقين ومن الألم جسرا للرضا فالصبر ليس نهاية الطريق بل بدايته نحو سكينة لا يعرفها إلا من آمن بحكمة الخالق وسلم أمره له.