
خرج و لم يعد .. بقلم / عادل محسن أرناؤؤط
بلغ عمى من العمر ٢٠ عاما فقد ولد عام ١٩٤٧ وكان اصغر أبناء جدى من الزوجتين و كان كما يقولون ابن موت ..
اشتهر بالفتوة و النخوة وعزة النفس وبر أهله واقاربه رغم صغر سنه.
تخرج من التعليم الفنى و عمل بهيئة تعمير الصحارى فى وادى الملاك .
الأحوال فى مصر تتجه إلى التصعيد مع العدو الsهيونى البغيض على حدود سيناء و أفواج الاحتياط من جنودنا تتوالى على محطة قطار العريش نلقاها ثم نجرى وراء السيارات التى تحمل جنودنا بملابسهم المدنية ونحن اطفال لم يتجاوز عمرنا السابعة ونغنى. فى فرح :
عبد الناصر يا حبيب… بكرة ندخل تل أبيب
كانت احلام الشاب ملء السماء أراد الزو ج مبكرا واختار عروس المستقبل ليكون عديلا لابن عمه الأكبر العم حسن سلام محسن .
عاد عمى إلى العريش سعيدا يوم الاحد ٤ يونيو فى اجازة من عمله يحمل بروازا لصورة لأم خطيبته هدية لها وفى الطريق زار اخته الكبرى المقيمة فى بئر العبد
و استحى أن يقول لها أنه ذاهب إلى العريش لانه لم يحمل اليها هدية عينية فاختار أن يقول لها أنه راجع إلى عمله فودعته إلى لقاء قريب .
بات ليلته ونحن أبناء أخيه الشقيق على و انا وأحمد فى أحضانه.
فى صباح الاثنين ٥ يونيو و على مائدة الإفطار تبادل مع والده الحوار عن الحال وكان رأى جدى أنه لا خوف على مصر لان السوفييت معها و خالفه الابن فى الرأى قائلا والله ما هيخرب بيتنا غير السوفييت و لم يعجب هذا القول جدى لكن الحوار لم يستمر فقد دوت انفجارات متتالية هزت المكان هزا فقفز الشاب قائلا الرز استوى..
دارت رحى الحرب و لم يحصل جيشنا على فرصة حقيقية للقتال فقد صدرت تعليمات عجيبة بالانسحاب ومع ذلك فقد جرت ملاحم كان ابطالها المتحصنين من بواسل جيشنا فى مدينة العريش بين أهلها و أبطال المقاومة الشعبية من أبناء المدينة.
كان الفتى من بين هؤلاء و من قادتهم لم يستجب لرجاء امه جدتى و توسلاتها له بالبقاء فماذا سيفعل و الجيش قد انسحب. .
خرج و ظل بحث اقاربه واصدقاءه للوقوف أمام الهجمة الشرسة للعدو المحتل والانضمام إلى الدفاع الشعبى .
استلم سلاحا كغيره و سلم مقابله بطاقته الشخصية وعاد إلى منزل اخته ليرتدى ملابس عسكرية تخص زوجها ابن عمه الرقيب بحرس. الحدود و خرج واهب نفسه فداء لوطنه مع أقرانه من خيرة شبابنا .
خلال الحرب دارت فى بيت جدى ملحمة بين جنودنا المتحصنين فى المنزل وقوة معادية تمشط العريش هلك على إثرها عدد من جنود الاحتلال و قائدهم جنرال جوك ولم يصب أحد من جنودنا بسوء و ساعدهم جدى واخوه على النجاة فى نفس الليلة قبل ان يأتى جند الاحتلال. فى اليوم التالى لينسف بيتنا من قواعده و يدمره تدميرا ويعانى. جدى من تحقيقات و عنت الاحتلال الكثير.
انتهت الحرب سريعا ولم يعد لدى جدى البالغ ٧٤ عاما بيت ولا ولد فوالدى المكلف مع سلاح الإشارة و عمى عبد الجليل و عمى عبد الكريم من حرس الحدود انسحبوا مع الجيش إلى غرب القناة و لم يبق فى العريش من أولاده الذكور إلا أحمد ولكن أين أحمد .
عاد جميع أفراد المقاومة إلى بيوتهم و اهلهم احياء أو شهداء و لكن احمد لم يعد لا حيا ولا ميتا.
عمتى التى تسكن بئر العبد كانت مطمئنة أنه سافر إلى وادى الملاك كما أخبرها وأنه لا شك بخير و. سيعود يوما وما و نعرف خبره و تصر على ذلك لكن الأمر غير ذلك .
حظر التجوال فرض على العريش يوميا الا لفترة. بسيطة يرفع فيها ليقضى المواطنون بعض حوائجهم لكن جدى خلالها يسعى فى كل مكان يسأل و يتفحص الشهداء لعله يجد ولده الاخير بلا جدوى.
خاطب ابى وزارة الحربية و هيئة الصليب الأحمر لعله يجد لشقيقه أثرا بلا جدوى .
توقفت المحاولات و لكن بقى فى نفس جدى بعض الأمل ولم لا؟ فليس على الله عسير!!!
ظل يحيا بهذا الأمل حتى لقى ربه عام ١٩٧٦ خلال فترة الاحتلال وفاضت روحه المتعلقة بابنائه الغائبين وابنه المفقود.
عدنا بعد زوال الاحتلال عام ١٩٧٩ والتقينا جددا بجدتى وكانت تعانى من ضعف الأبصار و من أهم أسبابها كثرة بكائها و حرقة قلبها على ابنها المفقود اثره ..
كانت أفكارها مشتتة بين امل بعودته يحطمه ثقتها فى شخص ابنها الاسطورى الذى كان و لا شك سيعود لو كان كان حيا مهما كانت الموانع والصعوبات وكانت تقول حتى وفاتها رحمها الله بلسان باك وعيون دامعة
(/نفسى بس المس تراب قبره).
و تتنهد طويلا لتقول …
نار الحى حية يا ستى
عمى الشهيد بإذن الله أحمد علي عطية على إسماعيل محسن أرناؤوط
كم كنا نحتاجك.
طبت حيا و ميتا.